ولما حذرهم انتقام الله إن كفروا، ذكرهم أيامه في الأمم الماضية، وعين منهم الثلاثة الأولى لأنهم أشدهم أبداناً، وأكثرهم أعواناً، وأقواهم آثاراً، وأطولهم أعماراً، لأن البطش إذا برز إلى الوجود كان أهول، لأن النفس للمحسوس أقبل، فقال دالاً على ما أرشدهم إليه من غناه سبحانه وحمده مخوفاً لهم من سطوات الله سبحانه :﴿ألم يأتكم﴾ أي يابني إسرائيل ﴿نبأ الذين﴾ ولما كان المراد قوماً مخصوصين لم يستغرقوا الزمان قال :﴿من قبلكم﴾ ثم أبدل منهم فقال :﴿قوم﴾ أي نبأ قوم ﴿نوح﴾ وكانوا ملء الأرض ﴿و﴾ نبأ ﴿عاد﴾ وكانوا أشد الناس أبداناً وأثبتهم جناناً ﴿و﴾ نبأ ﴿ثمود﴾ وكانوا أقوى الناس على نحت الصخور وبناء القصور ﴿و﴾ نبأ ﴿الذين﴾ ولما كان النراد لبعض، أدخل الجار فقال :﴿من بعدهم﴾ أي في الزمن حال كونهم في الكثرة بحيث ﴿لا يعلمهم﴾ أي حق العلم على التفصيل ﴿إلا الله﴾ أي الذي له الإحاطة الكاملة، كفروا فأهلكهم الله ولم يزل غنياً حميداً عند أخذهم وبعده كما كان قلبه، وكان ابن مسعود رضي الله عنه إذا قرأ هذه الآية قال : كذب النسابون.
ثم فصل سبحانه خبرهم، فقال - جواباً لمن كأنه قال : ما كان نبأهم ؟ ﴿جاءتهم رسلهم بالبينات﴾ وترك عطفه لشدة التباسه بالمستفهم عنه ﴿فردوا﴾ أي الأمم عقب مجيء الرسل من غيرتأمل جامعين في تكذيبهم بين الفعل والقول ﴿أيديهم في أفواههم﴾ وهو أشارة إلى السكوت عن ذلك والتسكيت، كأنه لا يليق أن يتفوه ولو على سبيل الرد ؛ قال الرازي في اللوامع : حكى أبو عبيد : كلمته في حاجتي فرد يده في فيه - إذا سكت ولم يجب.
﴿و﴾ بعد أن فعلوا ذلك لهذه الأغراض الفاسدة ﴿قالوا﴾ أي الأمم ﴿إنا كفرنا﴾ أي غطينا مرائي عقولنا مستهينين ﴿بما﴾ ولما كان رد الرسالة جامعاً للكفر، وكانوا غير مسلّمين أن المرسل لهم هو الله، بنوا للمفعول قولهم :﴿أرسلتم به﴾ أي لأنكم لم تأتونا بما يوجب الظن فضلاً عن القطع، فلذا لا يحتاج رده إلى تأمل.