ولما كان ما أتى به الرسل يوجب القطع بما يعلمه كل أحد، فكانوا بما قالوه في مظنة الإنكار، أكدوا :﴿وإنا لفي شك﴾ أي محيط بنا، وهو وقوف بين الضدين من غير ترجيح أحدهما، يتعاقب على حال الذكر ويضاد العلم والجهل.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٧٢
ولما كان الدعاء مسنداً إلى جماعة الرسل، أثبت نون الرفع مع ضمير المتكلمين بخلاف ما مضى في هود، فقالوا ﴿مما﴾ أي شيء ﴿تدعوننا﴾ أهيا الرسل ﴿إليه﴾ أي من الدين ﴿مريب﴾ أي موجب للتهمة وموقع في الشك والاضطراب والفزع، من أراب الرجل : صار ذا ريبة أي قلق وتزلزل.
١٧٤
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٧٢
ولما كان سامع الكلام يشتد تشوفه إلى جوابه، وكان أصل الدعوة في كل ملة التوحيد، وكان الشاك فيه شاكاً في الله، وكان أمر الله من الظهور بحيث لا يشك فيه عاقل حكّم عقله مجرداً عن الهوى، ساغ الإنكار وأيراد الكلام على تقدير سؤال معرى من التقييد مبهم في قوله :﴿فاطر السماوات﴾ ولما كان المقام لادعاء أنه في غاية الظهور، لم يحتج إلى تأكيد بإعادة العامل، فقال :﴿والأرض﴾ أي على هذا المثال البديع والنمط الغريب المنتظم الأحوال، والجميل العوائد، والمتسق الفصول ؛ فلما أوضحوا لهم الأدلة على وحدانيته بينوا لهم بأن ثمرة الدعوة خاصة لهم، إنه لا يأباها من له أدنى بصيرة، فقالوا :﴿يدعوكم﴾ أي على ألسنتنا ﴿ليغفر لكم﴾.


الصفحة التالية
Icon