ولما كان الكافر إنما يدعى أولاً إلى الإيمان، وكان الإيمان إنما يجب ما كان قبله من الذنوب التي معهم بينهم وبينه دون المظالم، قال :﴿من ذنوبكم﴾ ولو عم بالغفران لأفهم ذلك أنهم لا يدعون بعد الإيمان إلى عمل أصلاً ﴿و﴾ لا يفعل بكم فعل من تعهدون من الملوك في المعاجلة بالإهلاك لمن خالفهم، بل ﴿يؤخركم﴾ وإن أخطأتم أو تعمدتم وتبتم ﴿إلى أجل مسمى﴾ عنده سبق علمه به، وهو آجالكم على حسب التفريق، ولا يستأصلكم بالعذاب في آن واحد كما فعل بمن ذكر من الأمم.
فلما بين لهم الأصيل بدليله فروع عليه ما لا ريب فيه في قصر نفعه عليهم، علموا أنه لا يتهيأ لهم عن ذلك جواب فأعرضوا عنه إلى أن ﴿قالوا﴾ عناداً ﴿إن﴾ أي ما ﴿أنتم﴾ أي أيها الرسل ﴿إلا بشر﴾ وأكدوا ما أرادوا من نفي الاختصاص فقالوا :
١٧٥
﴿مثلنا﴾ يريدون : فما وجه تخصيصكم بالرسالة دوننا ؟ ثم كان كأنه قيل : فكان ماذا ؟ فقالوا :﴿تريدون أن تصدونا﴾ أي تلفتونا وتصرفونا ﴿عما كان﴾ أي كوناً هو كالجبلة، وأكدوا هذا المعنى للتذكير بالحال الماضية بالمضارع فقالوا :﴿يعبد آباؤنا﴾ أي أنكم - لكونكم من البشر الذين يقع بينهم التحاسد - حسدتمونا على ابتاع الآباء وقصدتم تركنا له لنكون لكم تبعاً ﴿فأتونا﴾ أي فتسبب - عن كوننا لم نر لكم فضلاً وإبدائنا من إرادتكم ما يصلح أن يكون مانعاً - أن نقول لكم : ائتونا لنتيعكم ﴿بسلطان مبين*﴾ أي حجة واضحة تلجئنا إلى تصديقكم مما نقترحه عليكم، وهذا تعنت محض فإنهم جديرون بأن يعرضوا عن كل سلطان يأتونهم به كائناً ما كان كما ألغوا ما أتوا هم به من البينات فلم يعتدوا به، فكأنه قيل : فما كان جواب الرسل ؟ فقيل :﴿قالت﴾.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٧٥


الصفحة التالية
Icon