ولما أرادوا تخصيصهم برد ما قالوا، قيد بقوله :﴿لهم رسلهم﴾ مسلمين أول كلامهم غير فاعلين فعلهم في الحيدة عن الجواب ﴿إن﴾ أي ما ﴿نحن إلا بشر مثلكم﴾ ما لنا عليكم فضل بما يقتضيه ذواتنا غير أن التماثل في البشرية لا يمنع اختصاص بعض البشر عن بعض بفضائل ؛ والمثل : ما يسد مسد غيره حتى لو شاهده مشاهد ثم شاهد الآخر لم يقع فصل ﴿ولكن الله﴾ أي الذي له الأمر كله فضلنا عليكم لأنه ﴿يمن الله من يشاء﴾ أي أن يمن عليه ﴿من عباده﴾ رحمة منه له، بأن يفضله على أمثاله بما يقسمه له من المزايا كما أنتم به عارفون، فلم يصرحوا بما تميزوا به من وصف النبوة، ولم يخصوا أنفسهم بمّن الله بل أدرجوها في عموم من شاء الله، كل ذلك تواضعاً منهم واعترافاً بالعبودية ؛ والمن : نفع يقطع به عن بؤس، وأصله القطع، ومنه ﴿غير منون﴾، والمنة قاطعة عن الدنيا.
ولما بينوا وجه المفارقة، عطفوا عليه بيان العذر فيما طلبوه منهم فقالوا :﴿وما﴾ أي فما كان لنا أن نتفضل عليكم بشيء من الأشياء لم يؤذن لنا فيه، وما ﴿كان﴾ أي صح واستقام ﴿لنا أن نأتيكم بسلطان﴾ مما تقترحونه تعنتاً، وهو البرهان الذي يتسلط به علىإبطال مذهب المخالف للحق غير المعجزة التي يثبت بها النبوة ﴿إلا بإذن الله﴾ أي بإطلاق الملك الأعظم وتسويفه، فنحن نتوكل على الله في أمركم إن أذن لنا في الإتيان بسلطان أو لم يأذن وافقتم أو خالفتم ﴿وعلى الله﴾ أي الذي له الأمر كله ولا أمرلأحد معه وحده ﴿فليتوكل﴾ أي بأمر حتم ﴿المؤمنون*﴾ فكيف بالأنبياء ؛ ثم بينوا سبب وجوب التوكل بقولهم :﴿وما﴾ أي وأي شيء ﴿لنا﴾ في ﴿ألاّ نتوكل علىالله﴾ أي ذي الجلال والإكرام ﴿و﴾ الحال أنه ﴿قد هدانا سبلنا﴾ فبين لنا كل ما نأتي وما نذر، فلا محيص لنا عن شيء من ذلك، فلنفعلن جميع أوامره، ولننتهين عن جميع مناهيه
١٧٦


الصفحة التالية
Icon