﴿ولنصبرن﴾ أكدوا لإنكار أن يصبر الرسول - مع وحدته - على أذاهم مع كثرتهم وقوتهم ﴿على ما﴾ وعبر بالماضي إشارة إلى أنهم عفوا عن أذاهم في الماضي فلا يجازونهم به، فهو استجلاب إلى توبة أولئك المؤذين، وعدلوا عن المضارع لأنهم ينتظرون أمر الله في الاستقبال فقد يأمرهم بالصبر، فقال :﴿آذيتمونا﴾ أي في ذلك الذي أمرنا به كائناً فيه ما كان لأنا توكلنا على الله ونحن لا نتهمه في قضائه ﴿وعلى الله﴾ أي الذي له جميع صفات الكمال وحده ﴿فليتوكل المتوكلون*﴾ الذين علموا من أنفسهم العجز سواء كانوا مؤمنين أولا، فوكلوا أمراً من أمورهم إلى غيرهم ليكفيهم إياه، فإنه محيط العلم كامل القدرة، وكل من عداه عاجز، والصبر مفتاح الفرج، ومطلع الخيرات المطلق من الكرب، والحق لا بد وأن يصير غالباً قاهراً، والباطل لا بد وأن يصير مغلوباً مقهوراً وإن طال الابتلاء.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٧٥
ولما انقضت هذه المحاورة وقد علم منها كل منصف ما عليه الرسل من الحلم والعلم والحكمة، وما عليه مخالفهم من الضلال والجهل والعناد، وكان في الكلام ما ربما أشعر بانقضائه، ابتدأ تعالى عنهم محاورة أخرى، عاطفاً لها على ما مضى، فقال :﴿وقال الذين كفروا لرسلهم﴾ مستهينين بمن قصروا التجاءهم عليه، مؤكدين لاستشعارهم بإنكار من رأى مدافعة الله عن أوليائه لقولهم : والذي يحلف به! ليكونن أحد الأمرين :﴿لنخرجنكم من أرضنا﴾ أي التي لنا الآن الغلبة عليها ﴿أو لتعودن في ملتنا﴾ بأن تكفوا عن معارضتنا كما كنتم دعوى الرسالة، فإطلاق ملتهم على السكوت عنهم من إطلاق اسم الكل على الجزء على زعمهم مثل ﴿جعلوا أصابعهم في آذانهم﴾ [نوح : ٧] وهو مجاز مرسل، فصبروا على ذلك أخبروا به توكلاً على ربهم واستمروا على نصيحتهم لهم بدعائهم إلى الله ﴿فأوحى إليهم﴾ أي كلمهم في خفاء بسبب توعد أممهم لهم، مختصاً لهم بذلك ﴿ربهم﴾ المحسن إليهم الذي توكلوا عليه،
١٧٧


الصفحة التالية
Icon