وهو وخبره خبر المبتدأ الأول، ولا يحتاج إلى رابط لأنه نفس المثل الذي معناه الصفة ﴿كرماد﴾ وهو ما سحقه الاحتراق سحق الغبار ﴿اشتدت به الريح﴾ أي أسرعت بالحركة على عظم القوة ؛ والريح : جسم رقيق مثبت في الجو من شأنه الهبوب، والرياح خمس : شمال وجنوب وصباً ودبور ونكباء ﴿في يوم عاصف﴾ أي شديد الريح، فأطارته في كل صوب، فصاروا بحيث ﴿لا يقدرون﴾ أي يوم الجزاء ؛ ولما كان الأمر هنا متمحصاً للأعمال، قدم قوله :﴿مما كسبوا﴾ في الدنيا من أعمالهم في ذلك اليوم ﴿على شيء﴾ بل ذهب هباء منثوراً لبنائه على غير أساس، فثبت مقتضى ذلك أن الذين كفروا بربهم واستحبوا الحياة الدنيا على الآخرة في ضلال بعيد، بل ﴿ذلك﴾ أي الأمر الشديد الشناعة ﴿هو﴾ أي خاصة ﴿الضلال البعيد*﴾ الذي لا يقدر صاحبه على تداركه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٧٧
ولما ذكرالآخرة في أول السورة، ذكر ما هو ثابت لا نزاع فيه، ثم جرّ الكلام إليه هنا على هذا الوجه الغريب، وأتبعه مثل أعمال الكفار في الآخرة، أتبع ذلك الدليل عليه وعلى أنه لا يسوغ في الحكمة في أعمال الضلال إلا الإبطال فقال :﴿ألم تر أن الله﴾ أي الذي أحاط بكل شيء علماً وقدرة ﴿خلق السماوات﴾ على عظمها وارتفاعها ﴿والأرض﴾ على تباعد أقطارها واتساعها ﴿بالحق﴾ بالأمر الثابت من وضع كل شيء منها في موضعه على ما تدعوا إليه الحكمة لا بالخيالوالتمويه كالسحر، ومن المعلوم أنهما ظرف، ولايكون المظروف الذي هو المقصود بالذات إلا مثل ظرفه أو أعلى منه،
١٧٩


الصفحة التالية
Icon