فأغنوه بشيء غيرهم حتى يجاوزهم لو دفعوه عنهم، فكأنه قيل : إن ذلك لعادة الرؤساء، فماذا قالوا ؟ فقيل :﴿قالوا﴾ علماً منهم بأنه لا طاقة لهم على نوع من أنواع التصرف : لا نغني عنكم شيئاً، بل كل مجزي بما فعل، علينا إثم ضلالنا في أنفسنا وإضلالنا لكم، وعليكم ضلالكم وذبكم عنا وتقويتكم لجانبنا حتى استكبرنا فاستغرقنا في الضلال، ولو أن الله هداكم حتى تبعتم الأدلة التي سمعتموها كما سمعناها وتركتمونا، لكسر ذلك من شدتنا وأوهى من شوكتنا، فكان ربما يكون سبباً لهدايتنا كما أنه ﴿لو هدانا الله﴾ أي المستجمع لصفات الكمال ﴿لهديناكم﴾ فكان يكون لنا جزاء اهتدائنا وهدايتنا لكم، ولكم جزاء اهتدائكم وتقويتكم لنا على ذلك، ولكنه لم يهدنا فضللنا وكنتم لنا تبعاً فأضللناكم.
ولما كان الموجب لقولهم هذا الجزع، قالوا :﴿سواء علينا﴾ أي نحن وأنتم ﴿أجزعنا﴾ والجزع : انزعاج النفس بورود ما يغم ﴿أم صبرنا﴾ لا فائدة لنا في واحد منهما لأن الأمر أطم من ذلك فإنه ﴿ما لنا من محيص﴾ يصلح للمصدر والزمان والمكان، أي محيد وزوال عن المكروه على كلا التقديرين، فلم يبق في الجزاء إلا زيادة العذاب بسوء القالة وانتشارالسبة، وهذا الاستفهام ليس على بابه، بل المراد به التنبيه علىأنه حالهم مما ينبغي السؤال عنه وترديد الأمر فيه لينتهي عن مثله.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٧٩


الصفحة التالية
Icon