ولما بين غروره، بين سهولة اغترارهم زيادة في تنديمهم فقال :﴿وما كان﴾ لي إليكم في ذلك من ذنب لأنه ما كان ﴿لي عليكم﴾ وأبلغ في النفي فقال :﴿من سلطان﴾ أي تسلط كبير أو صغير بشيء من الأشياء ﴿إلا أن﴾ أي بأن ﴿دعوتكم﴾ بالوسوسة التي كانت سبباً لتقوية دواعيكم إلى الشر ﴿فاستجبتم﴾ أي أوجدتم الإجابة إيجاد من هو طالب لها، راغب فيها ﴿لي﴾ محكمين الشهوات، معرضين عن مناهيج العقول ودعاء النصحاء، ولو حكمتم عقولكم لتبتعم الهداة لما في سبيلهم من النور الداعي إليها وما في سبل غيرهم من الظلام السادّ لها، والمهالك الزاجرة عنها دنيا وأخرى، وساقه على صورة الاستثناء - وإن لم يكن دعاءه من السلطان في شيء - لأن السلطان أخص من البرهان إذ معناه برهان يتسلط به على إبطال مذهب الخصم إشارة إلى أنهم تبعوه ولا قدرة له على غير هذا الدعاء الذي لا سلطان فيه، وتركوا دعاء من أنزل إليهم من كل سلطان مبين، مع تهديدهم بما هو قادر على عليه وضربهم ببعضه، وفاعل مثل ذلك لا لوم له على غير نفسه ﴿فلا﴾ أي فاذ قد تقرر هذا تسبب عنه أني أقول لكم : لا ﴿تلوموني ولوموا أنفسكم﴾ لأنكم مؤاخذون بكسبكم، لأنه كانت لكم قدرة واختيار فاخترتم الشر على الخير، وعلم منه قطعاً أن كلاًّ منا مشغول عن صاحبه بما جزي به، فعلم أني ﴿ما أنا بمصرخكم﴾ أي بمغيثكم فيما يخصكم من العذاب، فآتيكم بما يزيل صراخكم منه ﴿وما أنتم بمصرخي﴾ فيما يخصني منه لتقطع الأسباب، بما دهى من العذاب، ثم علل ذلك بقوله :﴿إني كفرت﴾ مستهيناً ﴿بما أشركتمون﴾ أي باتخاذكم لي شريكاً مع الله.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٨١