ولما نفى جميع الأسباب النافعة في الدنيا في ذلك اليوم، كان كأنه قيل : فمن الحكم فيه حتى أنه يسير سيرة لا نعرفها ؟ فقيل :﴿الله﴾ أي الملك الأعلى المحيط بكل شيء ؛ ثم أتبعه بصفات تدل على ما دعا إليه الرسل من وحدانيته وما أخبروا به من قدرته على كل شيء فلا يقدر أحد على مغالبته، وعلى المعاد وعلى غناه فلا يبايع، فقال :﴿الذي خلق السماوات والأرض﴾ وهما أكبر خلقاً منكم وأعظم شأناً، ثم عقبه بأدل الأمور على الإعادة مع ما فيه من عظيم المنة بأن به الحياة، فقال :﴿وأنزل من السماء ماء﴾ ولما كان ذلك سبب النمو قال :﴿فأخرج به﴾ أي بالماء الذي جعل منه كل شيء حي ﴿من الثمرات﴾ أي الشجرية وغيرهما ﴿رزقاً لكم﴾ بعد يبس الأرض وجفاف نباتها، وليس ذلك بدون إحياء الموتى ؛ ثم أتبعه ما ادخره في الأرض من مياه البحار والأنهار، وذكر أعم ما يظهر من البحار فقال :﴿وسخر لكم الفلك﴾ وعلل ذلك بقوله :﴿لتجري في البحر﴾ ولما كان ذلك أمراً باهراً للعقل، بين عظمته بقوله :﴿بأمره﴾ ولما كانت الأنهار من النعم الكبار بعد نعمة البحار، قال :﴿وسخر لكم الأنهار*﴾ ثم أتبعه ما جعله سبباً لكمال التصرف وإنضاج الثمار المسقيّة بالماء النازل من السماء والنابع من الأرض فقال :﴿وسخر لكم الشمس والقمر﴾ حال كونهما ﴿دائبين﴾ أي في سيرهما وإنارتهما وما ينشأ عنهما من الإصلاح بالطبخ والإنضاج في المعادن والنبات والحيوان ؛ قال الرماني : والدؤوب : مرور الشيء في العمل على عادة جارية فيه ؛ ثم ذكر تعالى ما ينشأ عن وجود الشمس وعدمها فقال :﴿وسخر لكم الّيل﴾ أي الذي القمر آيته ﴿والنهار *﴾ أي الذي الشمس آيته، يوجد كل منهما بعد تصرمه، ولو كان أحدهما سرمداً لاختل الحال بعدم النبات والحيوان كما هو كذل حيث لا تغرب الشمس في الجنوب وحيث لا تطلع في الشمال ؛ ثم عم بعد أن خص فقال :﴿وآتاكم﴾.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٨٨


الصفحة التالية
Icon