ولما كان اشتغالهم بالعبادة وكونهم في ذلك الوادي أمرين بعيدين عن أسباب المعاش، تسبب عنه قوله :﴿فاجعل أفئدة﴾ أي قلوباً محترقة بالأشواق ﴿من الناس﴾ أي من أفئدة الذين هم أهل للاضطراب، بكون احتراقها بالشوق مانعاً من اضطرابها ﴿تهوي﴾ أي تقصدهم فتسرع نحوهم برغبة وشوق إسراع من ينزل من حالق ؛ وزاد المعنى وضوحاً وأكده بحرف الغاية الدال على بعد لأن الشيء كلما بعد مدى مرماه اشتد وقعه فقال :﴿إليهم﴾ ولما دعا لهم بالدين، دعا لهم بالرزق المتضمن للدعاء لجيرانهم فقال :﴿وارزقهم﴾ أي على يد من يهوي إليهم ﴿من الثمرات﴾ أي التي أنبتها في بلادهم ؛ وبين العلة الصالحة بقوله :﴿لعلهم يشكرون*﴾ أي ليكون حالهم حال من يرجى شكرهم لما يرون من نعمك الخارقة للعوائد في ذلك الموضع البعيد عن الفضل
١٩١
لولا عنايتك فيشتغلوا بعبادتك لإعنائك لهم وإحسانك إليهم، وقد أجاب الله دعوته ؛ فالآية لتذكير قريش بهذه النعم الجليلة عليهم ببركة أبيهم الأعظم الذي نهى عن عبادة الأوثان.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٨٩
ولما فرغ من الدعاء بالأهم من الإبقاء على الفطرة الأولى المشوقة للعزائم إلى العكوف في دارة الأنس، ومن الكفاية لهم المعاش، المنتج للشكر بإنفاق الفضل، وتبين من ذلك أنهم خالفوا أعظم آبائهم في جميع ما قصده لهم من المصالح، أتبعه ما يحث على الإخلاص في ذلك وغيره له ولغيره ليكون أنجح للمراد بضمان الإسعاد ولا سيما مع تكرير النداء الدال على مزيد التضرع فقال :﴿ربنا﴾ أي أيها المحسن إلينا المالك لجميع أمورنا ﴿إنك تعلم ما﴾ أي جميع ما ﴿نخفي وما نعلن﴾ ثم أشار إلى عموم علمه فقال :﴿وما يخفى على الله﴾ أي الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلماً.


الصفحة التالية
Icon