وبالغ في النفي فقال :﴿من شيء﴾ من ذلك ولا غيره ﴿في الأرض﴾ ولما كان في سياق المبالغة، أعاد النافي تأكيداً فقال :﴿ولا في السماء*﴾ أي فهو غير محتاج إلى التعريف بالدعاء، فالدعاء إنما هو لإظهار العبودية، واسم الجنس شامل لما فوق الواحد، ومن فوائد أحدهما عن الآخر، كان محيطاً بغيرهما كذلك من غير فرق.
ولما تم ما دعا به من النزاهة عن رجاسة الشرك وتبين بتقديمه أن أهم المهمات البراءة منه، أتبعه الحمد على ما رزق من النعم وما تبع ذلك من الإشارة إلى وجوب الشكرفقال :﴿الحمد لله﴾ أي المستجمع لصفات الكمال ﴿الذي وهب﴾ والهبة : هبة تمليك من غير عقد، منّاً منه ﴿لي﴾ حال كوني مستعلياً ﴿على الكبر﴾ ومتمكناً منه على يأس من الولد ﴿إسماعيل﴾ الذي أسكنته هنا ﴿وإسحاق﴾ وهذا يدل على ما تقدم فهمي له من أن هذا الدعاء كان بعد بناء البيت وطمأنينته بإسحاق عليه السلام، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن سنه كان عند ولادة إسماعيل عليه السلام تسعاً وتسعين سنة، وعند ولادة إسحاق عليه السلام كان مائة سنة واثنتي عشرة سنة.
ولما كان إتيان الولد له في سن لا يولد فيه لمثله، وجميع ما دعا به من الخوارق فوجوده لا يكاد يصدق، أشار إلى ذلك بتأكيد قوله :﴿إن ربي﴾ أي المحسن إليّ
١٩٢
﴿لسميع الدعاء*﴾ أي من شأنه إجابة على الوجه الأبلغ تعريضاً بالأنداد وإشارة إلى ما تضمنه تأسفه على العقم، فقد تقدم في سورة البقرة عن التوراة أنه لما خلّص ابن أخيه لوطاً من الأسر قال له الله : يا إبراهيم! أنا أكانفك وأساعدك لأن ثوابك قد جزل، فقال إبرم : اللهم ربي! فقال له الرب : لا يرثك هذا، بل ابنك الذي يخرج من صلبك فهو يرثك، وقال له : انظر إلى السماء وأحص النجوم إن كنت تقدر أن تحصيها، فكذلك تكون ذريتك، فآمن إبرم بالله.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٢