ولما تم الحمد على النعمة بعد الدعاء بالتخلي من منافي السعادة وختمه بالحمد على إجابة الدعاء، انتهز الفرصةفي إتباعه الدعاء بالتحلي بحلية العبادة التي أخبر أنها قصده بإسكانه من ذريته قم إقامتها، إشارة إلى صعوبتها على النفس إلا بمعونة الله فقال :﴿رب﴾ أي أيها الموجد لي المالك لأمري ﴿اجعلني مقيم الصلاة﴾ أي هذا النوع الدال على غاية الخضوع، دائم الإقامة لها، وكأن الله تعالى أعلمه بأنه يكون من ذريته من يكفر فقال أدباً :﴿ومن ذريتي﴾.
ولما كانت أعظم الأركان بعد الإيمان، أفراد الضمير للدعاء بها متملقاً لله تعالى بما عليه من النعم التي لم ينعمها على أحد كان في ذلك الزمان غيره، كما أشار إلى ذلك باسم الربن ثم زاد في التضرع بقوله :﴿ربنا﴾ أي أيها المحسن إلينا، وجمع الضمير المضاف إليه بالنظر إلى من تبعه من ذريته لأن ما بعده كلام آخر، أي رب وربَّ مّن وفقته بتربيتك وإحسانك لإقامة لاصلاة من ذريتي ﴿وتقبل دعاء*﴾ كله بذلك وغيره، بأن تجعله مقبولاً جعلَ من كأنه راغب فيه مفتن به.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٢
ولما كان الإنسان ولو اجتهد كل الاجتهاد - محل العجز الموجب للتقصير المفتقر للستر، قال مشيراً إلى ذلك :﴿ربنا﴾ أي أيها المالك لأمورنا المدبر لنا ﴿اغفر لي﴾ ثم
١٩٣
أشرك معه أقرب الناس إليه وأحقهم بشكره فقال :﴿ولوالدي﴾ وقد كان اسغفاره لهما قبل أن يعلم أن أباه مات كافراً، وقد علم من السياق أنه إذا كان وحده أضاف إلى ضميره، وإذا تقدم ما يحسن جمعه معه جمع إن كان ما بعده مستقلاً، ثم كل من تبعه في الدين من ذريته وغيرهم فقال :﴿وللمؤمنين﴾ أي العريقين في الوصف ﴿يوم يقوم﴾ أي يظهر ويتحقق على أعلى وجوهه ﴿الحساب*﴾.