ولما ختمم دعاءه بيوم الحساب الموجب ذكره لكل سعادة ونسيانه لكل شقاوة، ذكر بعض ما يتفق فيه رجوعاً إلى ما مضى من أحوال يوم القيامة على أحسن وجه، فقال - عاطفاً على قوله ﴿قل لعبادي﴾ وجل المقصد تهديد أهل الظلم بالإشراك وغيره، وخاطب الرأس الذي لا يمكن ذلك منه ليكون أوقع في قلب غيره - :﴿ولا تحسبن الله﴾ أي الملك الأعظم الذي هو أحكم الحاكمين.
ولما كان اعتقاد ترك الحساب يلزم منه نسبة الحاكم إلى العجز أو السفه أو الغفلة، وكان قد أثبت قدرته وحكمته في هذه السورة وغيرها نزهةً عن الغفلة لينتبه المنكرون للبعث من غفلتهم فقال :﴿غافلاً﴾ والغفلة : ذهاب المعنى عن النفس ﴿عما يعمل الظالمون*﴾ الذين بدلوا نعمة الله كفراً، فكانوا عريقين في الظلم وإن كان مستند ظلمهم شبهاً علمية يقيمونها، فكأنه قيل : فما الذي يفعل بهم ؟ فقال :﴿إنما يؤخرهم﴾ أي يؤخر حسابهم على النقير والقطمير سواء عذبوا في الدنيا أو لا ﴿ليوم تشخص﴾ أي تفتح فتكون بحيث لا تطرف ﴿فيه﴾ منهم ﴿الأبصار*﴾ أي حال كونهم ﴿مهطعين﴾ أي مسرعين غاية الإسراع إلى حيث دعوا خوفاً وجزعاً، مع الإقبال بالبصر نحو الداعي لا يلفتونه إلى غيره ﴿مقنعي رؤوسهم﴾ أي رافعيها وناصبيها ناظرين في ذل وخشوع إلى جهة واحدة، وهي جهة الداعي، لا يلتفتون يميناً ولا شمالاً، وهذا كناية عن أشد الذل والصغار، ثم أتبعه ما يؤكده فقال مصرحاً بمعنى الشخوص :﴿لا يرتد إليهم﴾ ولما كانوا في هيئة الأعين في الطرف والسكون قريباً من السواء، وحد فقال :﴿طرفهم﴾ بل أعينهم شاخصة دائمة الفتح لا تطرف كالمختصر لما بأصحابها من الهول ﴿وأفئدتهم﴾ جمع فؤاد، وهو العضو الذي من شأنه أن يحمى بالغضب ؛ قال في القاموس : والتفؤد : التحرق والتوقد، ومنه الفؤاد للقلب مذكر، جمعه أفئدة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٣


الصفحة التالية
Icon