ولما لم يكن وقت إقسامهم مستغرقاً للزمان قال :﴿من قبل﴾ وبين الجواب المقسم عليه بقوله - حاكياً معنى قولهم لا لفظه - ليكون صريحاً في المراد من غير احتمال لتعنت لو قيل : ما لنا ؟ :﴿ما لكم﴾ وأكد النفي فقال :﴿من زوال﴾ عما أنتم عليه من الكفران وعدم الإذعان للإيمان، أو من هذه الدار إلى الدار الآخرة، أو من منازلكم التي أنتم بها، كناية عن ثبات الأمر وعدم المبالاة بالمخالف كائناً من كان ﴿و﴾ الحال أنكم ﴿سكنتم﴾ أي في الدنيا ﴿في مساكن الذين ظلموا﴾ أي بوضع الأشياء في غير مواضعها كما فعلتم أنتم ﴿أنفسهم﴾ فأحلوا قومهم مثلكم دار البور ﴿وتبين﴾ أي غاية البيان ﴿لكم﴾ بالخبر والمشاهدة.
ولما كان حال أحدهم في غاية العجب، بنه بالاستفهام على أنه أهل لأن يسأل عنه فقال :﴿كيف فعلنا﴾ أي على ما لنا من العظمة ﴿لكم الأمثال*﴾ المبينة أن سنة الله جرت - ولن تجد لسنة الله تبديلاً - أن الظالمين كما جمعهم اسم الظلم يجمعهم ميسم الهلاك، فجمعنا لكم بين طريقي الاعتبار : السمع والبصر، ثم لم تنتفعوا بشيء منهما ﴿و﴾ الحال أنه بان لكم أنهم حين فعلنا بهم ما فعلنا ﴿قد مكروا مكرهم﴾ أي الشديد العظيم الذي استفرغوا فيه جهدهم بحيث لم يبق لهم مكر غيره في تأييد الكفر وإبطال الحق ؛ والمكر : الفتل إلى الضرر على وجه الحيلة ﴿و﴾ الحال أنه ﴿عند الله﴾ أي المحيط علماً وقدرة ﴿مكرهم﴾ هو وحده به عالم من جميع وجوهه وإن دق، وعلى
١٩٥
إبطاله قادر وإن جل ﴿وإن كان مكرهم﴾ من القوة والضخامة ﴿لتزول﴾ أي لأجل أن تزول ﴿منه الجبال*﴾ والتقدير على قراءة فتح اللام الأولى ورفع الثانية : وإن كان بحيث إنه تزول منه الجبال، والمعنيان متقاربان، وقيل :" إن " نافية، واللام لتأكيد النفي ؛ والجبال : الآيات والشرائع، بل هي أثبت.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٣


الصفحة التالية
Icon