ولما تقرر ذلك من علمه سبحانه وقدرته، تسبب عنه أن يقال وهو كما تقدم في أن المراد الأمة لبلوغ الأمر كل مبلغ، خوطب به الرأس ليكون أوقع في قلوبهم :﴿فلا تحسبن الله﴾ أي الذي له الكمال كله، فإن من ظن ذلك كان ناقص العقل ﴿مخلف وعده رسله﴾ في أنه يعز أوليائه ويذل أعداءه ويهلكهم بظلمهم، ويسكن أولياءه الأرض من بعدهم ؛ ثم علل ذلك بقوله - مؤكداً لأن كثرة المخالفين وقوتهم على تمادي الأيام تعرّض السامع للإنكار :﴿إن الله﴾ أي ذا الجلال والإكرام ﴿عزيز﴾ أي يقدرولا يقدر عليه ﴿ذو انتقام*﴾ ممن يخالف أمره.
ولما تقررت عظمة ذلك اليوم الذي تشخص فيه الأبصار، وكان أعظم يوم يظهر فيه الأنتقام، بينه بقوله :﴿يوم تبدل﴾ أي تبديلاً غريباً عظيماً ﴿الأرض﴾ أي هذا الجنس ﴿غير الأرض﴾ أي التي تعرفونها ﴿والسماوات﴾ بعد انتشار كواكبها وانفطارها وغير ذلك من شؤونها ؛ والتبديل : تغيير الشيء أو صفته إلى بدل ﴿وبرزوا﴾ أي الظالمون الذين كانوا يقولون : إنهم لا يعرضون على الله للحساب ؛ والبروز : ظهور الشخص مما كان ملتبساً به ﴿لله﴾ أي الذي له صفات الكمال ﴿الواحد﴾ الذي لا شريك له ﴿القهار*﴾ الذي لا يدافعه شيء عن مراده، فصاروا بذلك البروز بحيث لا يشكون أنه لا يخفى منهم خافية، وأما المؤمنون فلم يزالوا يعلمون ذلك : روى مسلم والترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن قوله تعالى :﴿يوم تبدل الأرض﴾ الآية قلت : يارسول الله فأين يكون للناس يومئذ ؟ قال : على الصراط.
ولما ذكر بروزهم له ذكر حالهم في ذلك البروز فقال :﴿وترى المجرمين﴾ أي
١٩٦