وتراهم، ولكنه أظهر لتعدد صفاتهم التي أوجبت لهم الخزي ؛ والإجرام : قطع ما يجوز من العمل بفعل ما لا يجوز ﴿يومئذ﴾ أي إذ كانت هذه الأمور العظام ﴿مقرنين﴾ أي مجموعاً كل منهم إلى نظيره، أو مجموعة أيديهم إلى أعناقهم جمعاً فيه شدة وضيق ﴿في الأصفاد*﴾ أي القيود، والمراد هنا الأغلال، أي السلاسل التي تجمع الأيدي فيها إلى الأعناق ويقربون فيها مع أشكالهم ؛ ثم بين لباسهم بقوله :﴿سرابيلهم﴾ أي قمصهم السابغة ﴿من قطران﴾ وهو ما يهنأ به الإبل، ومن شأنه أنه سرع فيه اشتعال النار، وهو أسود اللون منتن الريح.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٦
ولما كان هذا اللباس مع نتنه وفظاعته شديد الانفعال بالنار، بين أنه يسلطها عليهم فقال :﴿وتغشى﴾ ولما كان الوجه أشرف ما في الحيوان، فإهانته إهانة عظيمة لصاحبه، ذكره وقدمه تعجيلاً لإفهام الإهانة فقال :﴿وجوههم النار﴾ أي تعلوها باشتعالها، فعلم أنه يلزم من غشيانها لها اضطرابها فيما ضمخ بالقطران من باب الأولى ؛ ثم بين علة هذه الأفعال في ذلك اليوم، فقال معبراً بالجزاء والكسب الذي هو محط التكليف وظن النفع، لاقتضاء سياق القهر لهما : بـ ﴿ليجزي الله﴾ أي الذي له الكمال كله ﴿كل نفس﴾ طائعة أوعاصية.
ولما عظم الأمر بإسناد الجزاء إلى الاسم الأعظم الجامع لجميع صفات الكمال، اقتضى ذلك أن يكون نفس الكسب هو الجزاء، لأن ذلك أبدع وأدق في الصنع وأبرع بأن يصور بما يحق من الصور المليحة عند إرادة الثواب، والقبيحة عند إرادة العقاب، فلذلك أسقط الباء - التي ستذكر في " حم المؤمن " وقال :﴿ما كسبت﴾ والجزاء : مقابلة العمل بما يقتضيه من خير أو شر ؛ والكسبك فعل ما يستجلب به نفع أو يستدفع به ضر، ومن جزاء المؤمن عقوبة من عاداه في الله.
ولما كان حساب كل نفس جديراً بأن يستعظم، قال :﴿إن الله﴾ أي الذي له الإحاطة المطلقة ﴿سريع الحساب*﴾ أي لا يشغله حساب نفس عن حساب أخرى ولا شأن عن شأن.


الصفحة التالية
Icon