ولا يصح قول من نسب إلى الكشاف ذلك، فإن كلامه مأخوذ من الزجاج، وعبارة الزجاج - كما نقلها الإمام جنال الدين محمد بن المكرم في كتابه لسان العرب ومن خطة نقلت : من قال : إن رب يعني بها التكثير فهو ضد ما تعرفه العرب، فإن قال قائل : فلم جازت في قوله ﴿ربما يود الذين كفروا﴾ و﴿رب﴾ للتقليل ؟ فالجواب أن العرب خوطبت بما تعلمه في التهدد، والرجل يتهدد الرجل فيقول : لعلك ستندم على فعلك ؟ وهو لا يشك أنه يندم، ويقول : ربما ندم الإنسان على ما صنعت، وهو يعلم أن الإنسان يندم كثيراً، ولكن مجازه أن هذا لو كان
٢٠٣
مما يود في حال واحدة من أحوال العذاب، أو كان الإنسان يخاف أن يندم على الشيء لوجب عليه اجتنابه، والدليل عل أنه معنى التهدد قوله تعالى ﴿ذرهم يأكلوا ويتمتعوا﴾ انتهى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٩
فقد علم من هذا أنهم يطلقونها بمعنى القلة فيما يعلمون أنه كثير إرخاء للعنان وتنبيهاً على وجوب الأخذ بالأحوط، وذلك واقع في التهديد، وفرق كبير بين ما يعلم أنه كثير من أمر خارج عن العبارة المخبر بها عنه وبين ما تعرف كثرته من تلك العبارة، وزيدت ما فيها تأكيداً من حيث إنها تفهم أن الأمرلا يكون إلا كذلك، ولتهيئتها لمجيء الفعل بعدها ؛ قال الإمام أبوم حيان : والظاهر أن ما في رب، مهيئة، وذلك أنها من حيث هي حرف جر - على خلاف فيه - لا يليها إلا الأسماء، فجيء بها مهيئة لمجيء الفعل بعدها، وعلى كثرة مجيء رب في كلام العرب لم تجىء في القرآن إلا في هذا الموضع - انتهى.
ودخلت ههنا على المضارع - وهي للماضي - لأنه لصدق الوعد كأنه عيان قد كان، أو لأن " ما " إذا لحقتها سوغت دخولها على المستقبل كما تدخل على المعرفة - قال الرماني.