ولما هددوا بآية التمتع وإلهاء الأمل، وكان من المعلوم جداً من أحوالهم الاستعجال بالعذاب تكذيباً واستهزاء، كان الكلام في قوة أن يقال : فقالوا : يا أيها الذي نزل عليه الذكر! عجل لنا ما تتوعدنا به، وكان هذا غائظاً موجعاً حاملاً عل تمني سرعة الإيقاع بهم، فقيل في الجواب : إن لهم أجلاً بكتاب معلوم لا بد من بلوغهم له، لأن المتوعد لا يخاف الفوت فهو يمهل ولا يهمل، لأنه لا يبدل القول لديهن فليستعدوا فإن الأمر غيب، فما من لحظة إلا وهي صالحة لأن يتوقع فيه العذاب، فإنا لا نهلكهم إلا إذا بلغوا كتابهم المعلوم ﴿وما﴾ جعلنا هذا خاصاً بهم، بل هو عادتنا، ما ﴿أهلكنا﴾ أي على ما لنا من العظمة للإهلاك واستعجالهم واستهزائهم به، وكان تقديره سبحانه وكتُبه من علام الغيب، اقتضى الحال التأكيد بما يدل على أنه محتوم مفروغ منه سابق تقديره على زمن الإهلاك، فأتى بالواو لأن الحال بدون الواو كالجزء من سابقها كالخبر والنعت الذي لا يتم المعنى بدونه، والتي بالواو هي زيادة في الخبر السابق، ولذلك احتيج إلى الربط بالواو كما يربط بها في العطف، فقال :﴿إلا ولها﴾ أي والحال أنه لها في الإهلاك أو لإهلاكها ﴿كتاب معلوم*﴾ أي أجل مضروب مكتوب في اللوح المحفوظ، أو يكون التقدير : فسوف يعلمون إذا جاءهم العذاب في الأجل الذي كتبناه لهم : هل يودون الإسلام أم لا ؟ ثم بين الآية السابقة بقوله :﴿ما تسبق﴾ وأكد الاستغراق بقوله :﴿من أمة﴾ وبين أن المراد بالكتاب الأجل بقوله :﴿أجلها﴾ أي الذي قدرناه لها ﴿وما يستأخرون*﴾ أي عنه شيئاً من الأشياء، ولم يقل : تستأخر - حملاً على اللفظ كالماضي، لئلا يصرفوه إلى خطابه صلى الله عليه وعلى آله وسلم تعنتاً.
٢٠٥