ولما ذكر آية السماء، ثنى بآية الأرض فقال :﴿والأرض مددناها﴾ أي بما لنا من العظمة، في الأبعاد الثلاثة : الطول والعرض والعمق، على الماء ﴿وألقينا﴾ أي بعظمتنا ﴿فيها﴾ أي الأرض، جبالاً ﴿رواسي﴾ أي ثوابت، لئلا تميل بأهلها وليكون لهم علامات ؛ ثم بنه على إحياء الموتى بما أنعم به في الأرض بقياس جلي بقوله :﴿وأنبتنا فيها﴾ أي الأرض ولا سيما الجبال بقوتنا الباهرة ﴿من كل شيء موزون*﴾ أي مقدر على مقتضى الحكمة من المعادن والنبات ﴿وجعلنا لكم﴾ أي إنعاماً منا عليكم ﴿فيها معايش﴾ وهي بياء صريحة من غير مد، جمع معيشة، وهي ما يحصل به العيش من المطاعم والملابس والمعادن وغيرها ﴿ومن لستم﴾ أي أيها الأقوياء الرؤساء ﴿له برازقين*﴾ مثلكم في ذلكن جعلنا له فها معايش من العيال والخدم وسائر الحيوانات التي تنتفعون بها وإن ظننتم أنكم ترزقونهم، فإن ذلك باطل لأنكم لا تقدرون على رزق أنفسكم فكيف بغيركم ؟ فلما ظهر كالشمس كمال قدرته وأنه واحد لا شريك له، بين أنه - كما كانت هذه الأشياء عنده بحساب قدرة على حكمة دبّرها - كان غيرها كذلك، فذلك هو المانع من معاجلتهم بما يهزؤون به من العذاب، فقال :﴿وإن﴾ أي وما ﴿من شيء﴾ أي مما ذكر وغيره من الأشياء الممكنة، وهي لا نهاية لها ﴿إلا عندنا﴾ أي لما لنا من القدرة الغالبة ﴿خزائنه﴾ أي كما هو مقرر عندكم، لا تنازعون فيه، قال في الكشاف : ذكر الخزائن تمثيل ﴿وما ننزله﴾ أي مطلق ذلك الشيء لا بقيد عدم التناهي، فإن كل ما يبرز إلى الوجود متناه، فهو استخدام ﴿إلا بقدر معلوم*﴾ على حسب التدريج كما ترونه ؛ وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : ليس عام بأمطر من عام، ولكن الله يقسمه ويقدره في الأرض كيف يشاء، عاماً ههنا وعاماً ههنا، وربما كان في
٢١٣
البحر.
فهذا دليل قطعي على أن الفاعل المخصص له بوقت دون وقت وأرض دون أخرى فاعل واحد مختار.