الإرث التام إذا مات الخلائق، البارقون بعد كل شيء كما كنا ولا شيء، ليس لأحد فينا تصرف بإماتة ولا إحياء، فنثبت بذلك الوحدانية والفعل بالاختيار، فلما ثبت بهذا كمال قدرته، وكانت آثار القدرة لا تكون محكمة إلا بالعلم، قال تعالى :﴿ولقد علمنا﴾ أي بما لنا من الإحاطة المعجزة ﴿المستقدمين منكم﴾ وهم من قضينا بموته أولاً، فيكون في موته كأنه يسارع إلى التقدم وإن كان هو وكل من أهله مجتهداً بالعلاج في تأخيره ﴿ولقد علمنا﴾ بعظمتنا ﴿المستأخرين*﴾ أي الذين نمد في أعمارهم فنؤخر موتهم حتى يكونوا كأنهم يسابقون إلى ذلك وإن عالجوا الموت بشرب سم وغيره، أو عالجه لهم غيرهم بضربهم بالسيف أو غيرهن فعرف بذلك قطعاً أن الفاعل واحد مختار، وكذا كل متقدم ومتأخر في وصف من الأوصاف غير الموت، والمعنى على الأول : فنحن لا نميت أحداً قبل أجله فلا تستعجلونا بالوعيد وتهيؤوا لدفاعه إن كنتم رجالاً، فإنه لا بد أن يأتي لأنه لا يبدل القول لديّ.
ولما تم الدليل على تمام القدرة وشمول العلم، ثبت قطعاً إحياء الموتى لانتفاء المانع من جهة القدرة، واقتضاء الحكمة له من جهة العلم للعدل بين العباد بالمقابلة على الصلاح والفساد، فقال تعالى مؤكداً لإنكارهم :﴿وإن ربك﴾ أي المحسن إليك بالانتقام لك ممن يعاديك، وإقرار عينك من مخالفيك ﴿هو﴾ أي وحده ﴿يحشرهم﴾ أي يجمعهم إلى أرض القيامة بعد إعادتهم ؛ قال الرماني : وأصله جمع الحيوان إلى مكان ؛ ثم علل ذلك فقال مؤكداً لأجل اعتقادهم ما يستلزم الإنكار :﴿إنه حكيم﴾ أي يفعل الأشياء في أتم مواضعها بحيث لا يقدر أحد على نقضها ﴿عليم*﴾ بالغ العلم فلا يخفي عليه شيء، وهو يريد أن ترى حكمته بكشف الغطاء عند تمييز أهل السعادة والشقاء ؛ والحكمة : العلم الذي يصرف عما لا ينبغي، وأصلها المنع.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢١٥


الصفحة التالية
Icon