ولما ذكر سبحانه خلق الإنسانـ أتبعه ذكر ما خلقه قبله من الجنان فقال :﴿والجان﴾ أي الذي هو للجن كآدم عليه السلام للناس : وقيل : هو إبليس ﴿خلقناه﴾ وعبر عن تقليل زمان سبق خلقه وتقريبه بإثبات الجار فقال :﴿من قبل﴾ أي قبل خلق الإنسان ﴿من نار السموم*﴾ أي الحر الشديدن قيل : هي نار لا دخان لها، يكون منها الصواعق، وهي بين السماء وبين الحجاب، فإذا أراد الله تعالى خرقت الحجاب، فهدت إلى ما أمرت به، فالهداة التي يسمعها الناس هي خرق ذلك الحجاب ؛ وقال الرازي في اللوامع : نار لطيفة تناهت في الغليان في أفق الهواء، وهي بالإضافة إلى النار التي جعلها الله تعالى متاعاً كالجمد إلى الماء والحجر إلى التراب - انتهى.
وقال عبد الله : هذه السموم جزء من سبعين جزءاً من السموم التي خلق الله منها الجان، وهي مأخوذة من دخولها بلطفها في مسام البدن، ومنه السم القاتل - انتهى.
ولما كانت نعمة الإيجاد كافية في إخلاص العبادة للموجد، ثم لم يعتبرها أهل الضلال، أشار تعالى إلى نعمة هي أكبر منها، وهي التفضيل على جميع المخلوقات على وجه مبين لسبب الضلال، فقال عاطفاً على ما تقديره : اذكر هذا فإنه كافٍ في المراد لكل ذي لب :﴿وإذ﴾ أي واذكر قول ربك إذ ﴿قال ربك﴾ أي المحسن إليك بتشريف أبيك آدم عليه السلام لتشريفك ﴿للملائكة﴾ ولما كان مما يتوقف فيه، أكده فقال :﴿إني خالق بشراً﴾ أي حيواناً غير مُلبَس البشرة بما جعله عليه من الطبيعة على الصورة الإنسانية ﴿من صلصال﴾ أي طين شديد اليبس ﴿من حمإٍ﴾ أي طين أسود منتن
٢٢٠


الصفحة التالية
Icon