ولما أفهم ما تقدم - كما قلنا - الحكم بإغوائه، كان السامع كأنه قال : فماذا قال ؟ فقيل :﴿قال﴾ منسوباً نفسه بالمعبود العلي - الذي لا يسأل عما يفعل، وكل أفعاله عدل وحكمة - بعد أن رفع نفسه على العبد البشري :﴿رب﴾ أي أيها الموجد والمربي لي وعزتك ﴿بما أغوتني﴾ أي بسبب إغوائك لي من أجلهم، وللاهتمام بهذا السبب قدمه على جواب القسم الدال على المقسم به، وهو قوله :﴿لأزينن لهم﴾ أي تزييناً عظيماً، المعاصي والمباحات الجارّة إليها الشاغلة عن الطاعة الصارفة عنها ﴿في الأرض﴾ أي التي هي محل الغفلة وهم منها، والشيء إلى ما هو منه أميل، فهي بهذا التقدير مساوية لآية " ص " " فبعزتك " ؛ والتزيين : جعل الشيء متقبلاً في النفس من جهة الطبع والعقل بحق أو بباطل ﴿ولأغوينهم﴾ أي بالإضلال عن الطريق الحميدة ﴿أجمعين﴾ انتقاماً لنفسي ﴿إلا عبادك منهم﴾ أي المشرفين بالإضافة إليك، فهم لذلك لا يميلون عنك إلى شيء سواك، فلذلك أبدل منهم ﴿المخلصين*﴾ فزاد بهذا الكلام في الضلال، ولم يقدر أن يقول بدل ذلك : ربّ عليّ - ونحوه من الاستعطاف كما قال آدم عليه السلام لما حفه اللطف وداركه العفو، فارعوا هذه النعمة! والإخلاص : إفراد الشيء عما يشربه من غيره، فكأنه قيل : فبماذا أجيب ؟ فقيل :﴿قال﴾ الله في جوابه، راداً على ما أوهمه كلامه من أن له فعلاً بستقل به، مكذباً له :﴿هذا﴾ أي الذي ذكرته من حال المستثنى والمستثنى منه ﴿صراط عليّ مستقيم*﴾ لأني قضيت به ولو لم تقله أنت وحكمت به عليك وعليهم، فلا محيص لكم عنه، فكأنه قيل : عليّ إقامته، أو هو وارد عليّ ألا عوج لسالكيه عن الرجوع إليّ - يعني أنه لا يقدر أحد أن يعمل شيئاً بغير إرادتي، فإني بالمرصاد ؛ ثم شرح ذلك بقوله - مضيفاً جميع العباد إليه كما هو الحقيقة، نافياً ما قد يوهمه الكلام من أن لإبليس عملاً مستقلاً - :﴿إن عبادي﴾ أي عامة ﴿ليس لك﴾ أي بوجه من الوجوه ﴿عليهم سلطان﴾ أي لتردهم كلهم عما يرضيني ﴿إلا من اتبعك﴾


الصفحة التالية
Icon