ولما كان المنزل لا يحسن إلا بالسلامة والأنس والأمن، قال تعالى :﴿ادخلوها﴾ أي يقال لهم ذلك ﴿بسلام﴾ أي سالمين من كل آفة، مرحباً بكم ومسلماً عليكم حال الدخول ﴿آمنين*﴾ من ذلك دائماً.
ولما كان الأنس لا يكمل إلا بالجنس مع كمال المودة وصفاء القلوب عن الكدر، قال :﴿ونزعنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿ما في صدورهم من غل﴾ أي حقد ينغل أي ينغرز في القلب حال كونهم ﴿إخواناً﴾ أي متصافين، حال كونهم ﴿على سرر﴾ جمع سرير، وهو مجلس رفيع موطأ للسرور ﴿متقابلين*﴾ لا يرى بعضهم قفا بعض ؛ في آخر الثقفيات عن الجنيد رحمة الله أنه قال : ما أحلى الاجتماع مع الأصحاب! وما أمرّ الاجتماع مع الأضداد! ولما كان النظر في الدوام والمآل بعد ذلك، قال :﴿لا يمسّهم فيها نصب﴾ أي إعياء وتعب وجهد ومشقة ﴿وما هم منها﴾ ولما كان المنكى في كل شيء إنما هو الإكراه، بني للمفعول قوله :﴿بمخرجين*﴾.
ولما كان المفهوم من هذا السياق أن الناجي إنما هو المتقي المخلص الذي ليس للشيطان عليه سلطان، وكان مفهوم المخلص من لا شائبة فيه، وكان الإنسان محل النقصان، وكان وقوعه في النقص منافياً للوفاء بحق التقوى والإخلاص، وكان ربما أيأسه ذلك من الإسعاد، فأوجب له التمادي في البعاد، قال سبحانه - جواباً لمن كأنه قال : فما حال من لم يقم بحق التقوى ؟ ﴿نبئ عبادي﴾ أي أخبرهم إخباراً جليلاً ﴿أني أنا﴾ أي وحدي ﴿الغفور الرحيم*﴾ أي الذي أحاط - محوه للذنوب وإكرامه لمن يريد - بجميع ما يريد، لا اعتراض لأحد عليه.
ولما كان ذلك ربما سبباً للاغترار الموجب للإصرار، قال تعالى :﴿وأن عذابي هو﴾ أي وحده ﴿العذاب الأليم*﴾ أي الكامل في الإيام، فعلم أن الأول لمن
٢٢٥
استغفر، والثاني لمت أصر، وعرف من ذلك أن المتقين إنما دخلوا الجنة بعفوه، والغاوين إنما عذبوا بعدله، فهو لف ونشر مشوش - على ما هو الأفصح.