فلما تم ما أريد الإخبار عنه من تحاورهم مع إبراهيم عليه السلام، أخبر عن أمرهم مع لوط عليه السلام، فقال :﴿فلما﴾ بالفاء الدالة على سرعة وصولهم إليه، وكأنه ما اشتد إنكاره لهم إلا تشبه أحوال البشر فلذا قال :﴿جاء آل لوط﴾ أي في منزله ﴿المرسلون*﴾ أي لإهلاك قومه ﴿قال إنكم قوم﴾ أي أقوياء ﴿منكرون*﴾ لا بد أن يكون عن إتيانكم إلى هذه البلدة شر كبير لأحد من أهل الأرض، وهو معنى ﴿سيء بهم﴾ [ العنكبوت : ٣٣] الآية، فقدم حكاية إنكاره إياهم وإخبارهم عن العذاب لمثل ما تقدم في قصة إبراهيم عليه السلام من الزجر عن قولهم ﴿لو ما تأتينا بالملائكة﴾ المحتمل لإرادة جميع الملائكة ﴿إن كنت من الصادقين﴾ تعريفاً لهم بأن بعض الملائكة أتوا من كانا أكمل أهل ذلك الزمان على أجمل صور البشر، مبشرين لهما، ومع ذلك خافهم كل منهما، فكيف لو كان منهم جمع كثير ؟ أم كيف لو كانوا على صورهم ؟ أم كيف لو كان الرائي لهم غيرهما ؟ أم كيف لو كان كافراً ﴿يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجراً محجوراً﴾ [ الفرقان : ٢٢] ويجوز أن يكون قوله لهم هذه المقالة إنما كان عند إخبارهم به بأنهم رسل الله، ويكون المعنى حينئذ أنكم لستم على صفة الآتي بالوحين فقد اشتد على أمركم، لكوني لا أعرفكم مع الاستيحاش منكم، وذلك بعد محاورته لقومه ثم مقارعتهم عنهم، فكان خائفاً عليهم، فلما أخبروه أنهم ملائكة خاف منهم أن يكونوا أتوا بشيء يكرهه، وقد تقدم آنفاً أن الإخبار عما كان في حين من الأحيان لا يضر تقديم بعضه على بعض ولا إسقاط بعض وذكر آخر، ولم يزد هنا الحرف الذي أصله المصدر، وهو " أن " كما في العنكبوت، لأن استنكاره لهم وإن كان مرتباً على مجيئهم إلا أنه ليس متصلاً بأوله بخلاف المساءة.
٢٢٨
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٧


الصفحة التالية
Icon