يدل عليه بقوله :﴿لعمرك﴾ أي وحياتك يا كريم الشمائل، وأكد لأن الحال قاض في ذلك الحين استبعاد ردهم، ولتحقيق أن لك ضلال منهم صرف وتعنت محضن فقال :﴿إنهم لفي سكرتهم﴾ أي غوايتهم الجاهلية ﴿يعمهون*﴾ أي يتحيرون ولا يبصرون طريق الرشد، فلذلك لا يقبلون قول النصوح، فإن كان المخاطب لوطاً عليه السلام، كان ضمير الغيبة لقومه، وإن كان المخاطب نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وهو الظاهر - كان الضمير لقومه، وكان التقدير أنهم في خبط بعيد عن السنن في طلبهم إتيان الملائكة كما كان قوم لوط عليه السلام يقصدون الالتذاذ بالفاحشة بمن مكن من هلاكهمن فشتان ما بين القصدين! وهيهات لما بين الفعلين! فصار المعنى أن ما قذفوك به أول السورة بهم لابك، لأن من يطلب إتيان الملائكة - مع جواز أن يكون حاله حال قوم لوط عليه السلام عند إتيانهم - هو المجنون ؛ والعمر - بالفتح : العمر - بالضم، وهو مدة بقاء الشيء حيّاً، لكنه لا يقال في القسم إلا بالفتح لخفته مع كثرة دور القسم، ولذلك حذفوا الذي تقديره : قسمي، والسكرة : غمور السهو للنفس.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٠
ولما تم ذلك، سبب عن القضاء دابرهم قوله تعالى :﴿فأخذتهم﴾ أي أخذ انتقام وغلبة ﴿الصيحة﴾ أي التي هي لعظمها وهولها هي الصيحة، وغيرها عدم بالنسبة إليها ؛ والأخذ : فعل يصير به الشيء في جهة الفاعل، والصيحة : صوت يخرج من الفم بشدة ؛ وقوله :﴿مشرقين*﴾ أي داخلين في الإشراق، وهو ضياء الشمس عند بزوغها، وتبين به أن وقته يسمى صبحاً لغة، فإن الصبح والصبّاح والإصباح أول النهار، ولعله يطلق عليه إلى وقت الغداء أو الزوال، أو تكون الصيحة وقت الإشراق آخر أمرهم، وقلع المدائن من أماكنها وقت الصبح ابتداء أمرهم ؛ ثم بين سبحانه ما تسبب عن الصيحة متعقباً لها فقال :﴿فجعلنا عاليها﴾ أي مدائنهم ﴿سافلها وأمطرنا﴾.


الصفحة التالية
Icon