ولما ذكر هذه القصة، ضم إليها ما هو على طريقها مما عذب قومه بنوع آخر من العذاب يشابه عذاب قوم لوط في كونه ناراً من السماء، فقال مؤكداً لأجل إنكار الكفار أن يكون عذابهم لأجل التكذيب، أو عدّاً لهم - لأجل تماديهم على الغواية مع العلم به - عداد المنكرين :﴿وإن﴾ أي وإنه ﴿كان﴾ أي جبلة وطبعاً ﴿أصحاب الأيكة﴾ وهم قوم شعيب عليه السلام ؛ والأيكة : الشجرة - عن الحسن، وجمعه الأيك كشجرة وشجر، وقيل : الأيكة : الشجر الملتف ﴿لظالمين*﴾ أي العريقين في الظلم ﴿فانتقمنا منهم﴾ أي بسبب ذلك ؛ ثم أخبر عن البلدين لتقاربهما في العذاب والمكان وكونهما على طريق واحدة من طرق متاجر قريش فقال :﴿وإنهما﴾ أي قرى قوم لوط ومحال أصحاب الأيكة ﴿لبإمام﴾ أي طريق يؤم ويتبع ويهتدي به ﴿مبين*﴾ واضح لمت أراده، بحيث إنه من شدة وضوحه موضح لعظمة الله وانتصاره لأبيائه ممن يكذبهم، وهو مع وضوحه مقيم في مكانه لم تندرس أعلامه، ولم تنطمس آثاره، فالآية من الاحتباك : ذكر في الأولى ﴿مقيم﴾ دلالة على حذف مثله ثانياً، وفي الثانية ﴿مبين﴾ دلالة على حذف مثله أولاً.
٢٣٢
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣١
ولما كان ربما قيل : إنه لو كان لأصحاب الأيكة بيوت متقنة لمنعتهم من العذاب ؟ عطف عليهم من هم على طريق أخرى من متاجرهم إلى الشام، وكانوا قد طال اغترارهم بالأمل حتى اتخذوا الجبال بيوتاً، وكانت آيتهم في غاية الوضوح فكذبوا بها، تحقيقاً لأن المتعنتين لو رأوا كل آية لقالوا إنما سكرت أبصارنا فقال :﴿ولقد كذب﴾.


الصفحة التالية
Icon