ولما كان المتعنت ربما قال : ما له يخلقهم ثم يهلكهم وهو عالم حين خلقهم أنهم يكذبون ؟ وكانت هذه الآية ملتفتة - مع ما فيها من ذكر الأرض - إلى تلك التي أتبعها ذكر الخافقين، استدلالاً على الساعة، قال على ذلك النمط :﴿وما خلقنا﴾ أي على عظمتنا ﴿السماوات﴾ أي على ما لها من العلو والسعة ﴿والأرض﴾ على ما بها من المنافع والغرائب ﴿وما بينهما﴾ من هؤلاء المكذبين وعذابهم، ومن المياه والرياح والسحاب المسبب عنه النبات وغير ذلك ﴿إلا بالحق﴾ أي خلقاً ملتبساً بالحق، فيتفكر فيه من وفقه الله فيعلم النشأة الأولى، أوبسبب الحق من إثبات ثوابت الأمور ونفي مزلزلها، لتظهر عظمتنا بإنصاف المظلوم من الظالم، وإثابة الطائع وعقاب العاصي في يوم الفصل - إلى غير ذلك من الحكم كما قال تعالى ﴿ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى﴾ [ النجم : ٣١] فمن أمهلناه في الدنيا أخذنا منه الحق بعد قيام الساعة، فلا بد من فعل ذلك ﴿وإن الساعة لآتية﴾ لأجل إقامة الحق لا شك في إتيانها لحكم علمها سبحانه فيظهر فيها كل ذلك، ويمكن أن يكون التقدير : فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون، وما فعلنا ذلك إلا بالأمر من قولنا " كن " وهو الحق ﴿وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق﴾ أي بالأمر ﴿ألا له الخلق والأمر﴾ [الأعراف : ٥٤] يعني أنه لا مشقة علينا في شيء من ذلك، وسنعدم ذلك بالحق إذا أردنا قيام الساعة، وأن الساعة لآتيه، لأنا قد وعدنا بذلك، وليس بينكم وبين كونها إلا أن نريد فتكون كما كان غيرها مما أردناه ﴿فاصفح﴾ أي فأعرض - بسبب تحقق الأخذ بثارك - الإعراض ﴿الجميل*﴾ بالحلم ولإغضاء وسعة الصدر، في مثل قولهم ﴿ياأيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون﴾ فإنه لا بد من الأخذ لك منهم بالحق ولو لم يكن لك نصرة إلا في ذلك اليوم لكانت كافية ؛ ثم علل هذا الأمر بقوله :﴿إن ربك﴾ أي المحسن إليك الآمر لك بهذا ﴿هو﴾ أي وحده