﴿الخلاّق﴾ المتكرر منه هذا الفعل في كل وقت بمجرد الأمر، فلا عجب في إيجاد ما ينسب إليه من إبداع الساعة أو غيرها، وهو لذلك عالم بأحوالكم أجمعين وما يكون منها صلاحاً لك على غاية الحكمة، لأن المصور أعلم بالصورة من ناظرها والمتبصر فيها، وصانع الشيء أدرى به من مشتريه، وباني البيت أخبر به من ساكنه، وهو الذي خلق كل ما تراه منهم فهو فعله فسلم له.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٣
ولما كان إحكام المصنوعات لا يتم إلا بالعلم، قال تعالى :﴿العليم*﴾ أي البالغ العلم بكل المعلومات، فلا ترى أفعالهم وأقوالهم إلا منه سبحانه لأنه خالقها، وقد علمت أنه لا يضيع مثقال ذرة فاعتمد عليه في أخذ حقك، فإنه نعم المولى ونعم
٢٣٤
النصير، ولا يخفي عليه شيء منه ؛ ويدل على ما قلته آية ياسين ﴿أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاّق العليم﴾ [ياسين : ٨١] أو يقال : فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون شيئاً مما أردنا من الحق، لأنا ما خلقنا عذابهم إلا بالحق كما خلقناهم بالحق، فلم يمتنع علينا شيء من ذلك ﴿وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق﴾ أي بسبب إقامة الحق وإظهار أمرنا في العدل، ولولا أن سلطنا بعض الناس على بعض لم يظهر لهم منا هذه الصفة غاية الظهور، فنحن نعجل من الحق الذي خلقنا ذلك بسببه على قيام الساعة - ما شئنا من الابتلاء والانتقام كما فعلنا ممن قصصنا أمرهم، ونؤخر من ذلك ما بقي إلى قيام الساعة ﴿وإن الساعة لآتية﴾ لا شك فيها، فلا ندع هناك شيئاً من الحقوق إلا أقمناه ﴿فأصفح الصفح جميل﴾ فلا بد من الأخذ لك بحقك إما في الدنيا وإما في الآخرة أن أي لأن ﴿ربك هو الخلاّق﴾ أي الفاعل للخلق مرة بعد مرة، لا تنفذ قدرته ولا تهن كلمته ﴿العليم﴾ التام العلم، فهو قادر بدأهم، ويستوفي إذ ذاك جميع الحقوق ويؤتيك في ذلك اليوم ما يقر به عينك.