ولما وحد نفسه، دل على ذلك بقوله، شارحاً لإيجاده أصول العالم وفروعه على وجه الحكمة :﴿خلق السماوات﴾ أي التي هي السقف المظل ﴿والأرض﴾ أي التي هي البساط المقل ﴿بالحق﴾ أي بالأمر المحقق الثابت، لا بالتمويه والتخييل ﴿ألا له الخلق والأمر﴾.
ولما كان ذلك من صفات الكمال المستلزمة لنفي النقائص، وكان قاطعاً في التنزه عن الشريك، لأنه لو كان، لزم إمكان الممانعة، فلزم العجز عن المراد، أو وجود الضدين المرادين لهما، وكل منهما محال، فإمكان الشريك محال، ولأنهما وكل ما فيهما ملكه وفي تصرفه، لا نزاع لمن أثبت الإله في ذلك، تلاه بقوله - نتيجة لذلك دالة على أنه تعالى ليس من قبيل الأجرام :﴿تعالى﴾ أي تعالياً فات الوصف ﴿عما يشركون *﴾ - عرياً عن افتتاحه بالتنزيه كالأولى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٤٣
ولما كان خلق السماوات والأرض غيباً لتقدمه، وكان خلق الإنسان على هذه الصفة شهادة، مع كونه أدل على ذلك من حيث إنه أشرف من كل ما يعبده من دون الله، ولن يكون الرب أدنى من العبد أصلاً، قال معللاً :﴿خلق الإنسان﴾ أي هذا النوع الذي خلقه أدل ما يكون على الوحدانية والفعل بالاختيار، لأنه اشرف ما في العالم السفلي من الأجسام لمشاركنه للحيوان الذي هو أشرف من غيره بالقوى الشريفة من الحواس الظاهرة والباطنة، والشهوة والغضب، واختصاصه بالنطق الذي هو إدراك الكليات والتصرف فيها بالقياسات ﴿من نطفة﴾ أي آدم عليه السلام من مطلق الماء، ومن تفرع منه بعد زوجه من ماء مقيد بالدفق.
٢٤٥


الصفحة التالية
Icon