ولما كان القدوم أجل نعمة وأبهج من النزوج، قدمه فقال :﴿حين يريحون﴾ بالعشي من المراعي وهي عظيمة الضروع طويلة الأسنمة ﴿وحين تسرحون*﴾ بالغداة من المُراح إلى المراعين فيكون لها في هاتين الحالتين من الحركات منها ومن رعاتها ومن الحلب والتردد لأجله وتجاوب الثغاء والرغاء أمر عظيم وأنس لأهلها كبير.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٤٥
ولما كانت الأسفار بعد ذلك، تلاه بقوله تعالى :﴿وتحمل﴾ أي الأنعام ﴿أثقالكم﴾ أي أمتعتكم مع المشقة ﴿إلى بلد﴾ أي غير بلدكم أردتم السفر إليه ﴿لم تكونوا﴾ -
٢٤٦
أي كوناً أنتم مجبولون عليه - قادرين على حملها إليه، وتبلغكم - بحملها لكم - إلى بلد لم تكونوا ﴿بالغيه﴾ بغير الإبل ﴿أي بشق﴾ أي بجهد ومشقة وكلفة ﴿الأنفس﴾ ويجوز أن يكون المعنى : لم تبلغوه بها، فكيف لو لم تكن موجودة ؛ والشق : أحد نصفي الشيء، كأنه كناية عن ذهاب نصف القوة لما يلحق من الجهد ؛ والآية من الاحتباك : ذكر حمل الأثقال أولاً دليلاً على حمل الأنفس ثانياً، وذكر مشقة البلوغ ثانياً دليلاً على مشقة الحمل أولاً.
ولما كان هذا كله من الإحسان في التربية، ولا يسخره للضعيف إلا البليغ في الرحمة، وكان من الناس من له من أعماله سبب لرضى ربه، ومنهم من أعماله كلها فاسدة، قال :﴿إن ربكم﴾ أي الموجد لكم والمحسن إليكم ﴿لرؤوف﴾ أي بليغ الرحمة لمن يتوسل إليه بما يرضيه ﴿رحيم*﴾ أي بليغ الرحمة بسبب وبغير سبب.
ولما كانت الأنعام أكثر أموالهم، مع أن منافعها أكثر، بدأ بها ثم ثنى بما هو دونها، مرتباً له على الأشراف فالأشراف، فقال تعالى :﴿والخيل﴾ أي الصاهلة ﴿والبغال﴾ أي المتولدة بينها وبين الحمر ﴿والحمير﴾ أي الناهقة.