وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : هذه السورة في التحامها بسورة الحجر مثل الحجر بسورة إبراهيم من غير فرق، لما قال تعالى ﴿فوربك لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون﴾ [ الحجر : ٩٢] وقال تعالى بعد ذلك في وعيد المستهزئين ﴿فسوف يعلمون﴾ أعقب هذا بيان تعجيل الأمر فقال تعالى ﴿أتى أمر الله فلا تستعجلوه﴾ [النحل : ١] وزاد هذا بياناً قوله ﴿سبحانه وتعالى عما يشركون﴾ فنزه سبحانه نفسه عما فاهوا به في استهزائهم وشركهم وعظيم بهتهم، وأتبع ذلك تنزيهاً وتعظيماً فقال تعالى ﴿خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون﴾ ثم أتبع ذلك بذكر ابتداء خلق الإنسان وضعف جبلته ﴿خلق الإنسان من نطفة﴾ ثم أبلغه تعالى حداً يكون فيه الخصام والمحاجة، كل ذلك ابتلاء منه واختبار ليميز الخبيث من الطيب، وأعقب هذا بذكر بعض ألطافه في خلق الأنعام وما جعل فيها من المنافع المختلفة، وما هو سبحانه عليه من الرأفة والرحمة اللتين بهما أخر العقوبة عن مستوجبها، وهدى من لم يستحق الهداية بذاته بل كل هداية فبرأفة الخالق ورحمته، ثم أعقب ما ذكره بعد من خلق الخيل والبغال والحمير وما في ذلك كله بقوله ﴿ولو شاء لهداكم أجمعين﴾ فبين أن كل الواقع من هداية وضلال خلقه وفعله، وأنه أوجد الكل من واحد، وابتدأهم ابتداء واحداً ﴿خلق الإنسان من نطفة﴾ فلا بعد في اختلاف غاياتهم بعد ذلك، فقد أرانا سبحانه مثال هذا الفعل ونظيره في قوله ﴿وهو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومن شجر - إلى قوله : لآية لقوم يتفكرون﴾ انتهى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٤٧
٢٥١


الصفحة التالية
Icon