ولما كان الله من فضله يكفر عن أهل الإيمان صغائرهم بالطاعات وباجتناب الكبائر فكان التكفير مشروطاً بالإيمان، وكان هؤلاء قد كفروا بالتكذيب بالكتاب، قال تعالى :﴿كاملة﴾ لا ينقص منها شيء مما أسروا ولا مما أعلنوا، لخفاء ولا ذهول بتكفير ولا غيره من دون خلل في وصف من الأوصاف، فهو أبلغ من " تامة " لأن التمام قد يكون في العدة مع خلل في بعض الوصف ﴿يوم القيامة﴾ الذي لا شك فيه ولا محيص عن إتيانه ﴿و﴾ ليحملوا ﴿من﴾ مثل ﴿أوزار﴾ الجهلة الضعفاء ﴿الذين يضلونهم﴾ فيضلون بهم كما بين أولئك الذين ضلوا ﴿بغير علم﴾ يحملون من أوزارهم من غير أن يباشرونها لما لهم فيها من التسبب من غير أن ينقص من أوزار الضالين بهم شيء وإن كانوا جهلة، لأن لهم عقولاً هي بحيث تهدي إلى سؤال أهل الذكر، وفطراً أولى تنفر من الباطل " أول " ما يعرض علهيا فضيعوها ؛ ثم استأنف التنبيه على عظيم ما يحصل لهم من مرتكبهم من الضرر وعيداً لهم فقال تعالى :﴿ألا ساء ما يزرون*﴾ فأدخل همزة الإنكار على حرف النفي فصار إثباتاً على أبلغ وجه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٥٨
ولمت كان المراد من هذا الاستكبار محو الحق وإخفاء أمره من غير تصريح بالعناد - بل مع إقامة شبه ربما راجت - وإن اشتد ضعفها - على عقول هي أضعف منها، وكأن هذا حقيقة المكر التي هي التغطية والستر كما بين في الرعد عند قوله تعالى :﴿بل زين للذين كفروا مكرهم﴾ [ الرعد : ٢٣] شرع يهدد الماكرين ويحذرهم وقوع ما وقع بمن كانوا أكثر منهم عدداً وأقوى يداً، ويرجي المؤمنين في نصرهم عليهم، بما له من عظيم القوة وشديد السطوة، فقال تعالى :﴿قد مكر الذين﴾ ولما كان المقصود بالإخبار
٢٥٩


الصفحة التالية
Icon