جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧٠
ولما نبه على إحسانه إليهم، وكان فيه من أول الأمر نوع غموض لظهور الكفرة في بادي الرأي، وصفهم بما يحتاج إليه في الاستجلاب لتمامه حثاً وإلهاباً، فقال تعالى - واصفاً للمهاجرين بياناً لأصل ما حملهم على ما استحقوا به هذا لأجر الجزيل - :
٢٧١
﴿الذين صبروا﴾ أي استعملوا الصبر على ما نابهم من المكاره من الكفار وغيرهم في الإقامة بين أظهرهم مدة ثم في الهجرة بمفارقة الوطن الذي هو حرام الله المشرب حبه لكل قلب، فكيف بقلوب من هو مسقط رؤوسهم ومألف أبدانهم ونفوسهم، وفي بذل الأرواح في الجهاد وغير ذلك، ولفت الكلام إلى وصف والإحسان تنبيهاً على ما يحمل على التوكل فقال تعالى :﴿وعلى ربهم﴾ أي المحسن إليهم بإيجادهم وهدايتهم وحده ﴿يتوكلون*﴾ في كل حالة يريدونها رضى بقضاء الله تعالى.
ولما أخبر تعالى أنه بعث الرسل، وكان عاقبة من كذبهم الهلاك، بدلالة آثارهم، وكانوا قد قدحوا في الرسالة بكون الرسول بشراً ثم بكونه ليس معه ملك يؤيده، رد ذلك بقوله - مخاطباً لأشرف خلقه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكونه افهمهم عنه مع أنه أجل من توكل وصبر، عائداً إلى مظهر الجلال بياناً لأنه يظهر من يشاء على من يشاء - :﴿وما أرسلنا﴾ أي بما لنا من العظمة.
ولما كان الإرسال بالفعل إنما كان في بعض الأزمنة، دل عليه بالجار فقال :﴿من قبلك﴾ إلى الأمم من طوائف البشر ﴿إلا رجالا﴾ لا ملائكة بل آدميين، هم في غاية الاقتدار على التوكل والصبر الذي هو محط الرجلة ﴿نوحي إليهم﴾ بواسطة الملائكة، وما أحسن تعقيب ذلك للصابرين، لأن الرسل أصبر الناس.