ولما كانوا قد عزموا إلى سؤال أهل الكتاب في بعض الأمور، وكانوا قد أتوا علماً من عند الله، سبب عن هذا الإخبار الأمر بسؤالهم عن ذلك، فقال مخاطباً لهم ولكل من أراد الاستثبات من غيرهم :﴿فسئلوا﴾ أي أيها المكذبون ومن أراد من سواهم ﴿أهل الذكر﴾ أي العلم بالكتاب، سمي ذكراً لأن الذكر - الذي هو ضد السهو - بمنزلة السبب المؤدي إليه فأطلق عليه، كأن الجاهل ساهٍ وإن لم يكن ساهياً، وكذا الذكر - الذي هو الكلام المذكور - سبب للعلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧١
ولما كان عندهم حسّ من ذلك بسماع أخبار الأمم قبلهم، أشار إليه بقوله تعالى :﴿إن كنتم﴾ أي جبلة وطبعاً ﴿لا تعلمون*﴾ أو هو التنفير من الرضى بالجهل.
ولما كانت رسل الملوك تقترن بما يعرف بصدقهم، قال - جواباً لمن كأنه قال : بأي دلالة أرسلوا ؟ - :﴿بالبينات﴾ المعرفة بصدقهم ﴿والزبر﴾ أي الكتب الهادية إلى أوامر مرسلهم.
ولما كان القرآن أعظم الأدلة، أشار إلى ذلك بذكره مدلولاً على غيره من المعجزات بواو العطف، فقال - عاطفاً على ما تقديره : وكذلك أرسلناك بالمعجزات
٢٧٢
الباهرات - :﴿وأنزلنا﴾ أي لنا من العظمة ﴿إليك﴾ أي وأنت أشرف الخلق ﴿للذكر﴾ أي الكتاب الموجب للذكر، المعلي للقدر، الموصل إلى منازل الشرف ﴿لتبين للناس﴾ كافة بما أعطاك الله من الفهم الذي فقت فيه جميع الخلق، واللسان الذي هو أعظم الألسنة وأفحصها وقد أوصلك الله فيه إلى رتبة لم يصل إليها أحد ﴿ما نزل﴾ أي وقع تنزيله ﴿إليهم﴾ من هذا الشرع الحادي إلى سعادة الدارين بتبيين المجمل، وشرح ما أشكل، من علم أصول الدين الذي رأسه التوحيد، ومن البعث وغيره، وهو شامل لبيان الكتب القديمة لأهلها ليدلهم على ما نسخ، وعلى ما بدلوه فمسخ.