ولما كان التقدير : لعلهم بحسن بيانك يعلمون! عطف عليه بياناً لشرف العلم قوله تعالى :﴿ولعلهم يتفكرون*﴾ إذا نظروا أساليبه الفائقة، ومعانيه العالية الرائقة، فيصلوا بالفكر فيه - بسبب ما فتحت لهم من أبواب البيان - إلى حالات الملائكة، بأن تغلب أرواحهم على أشباحهم فيعلموا أنه تعالى واحد قادر فاعل بالاختيار، وأنه يقيم الناس للجزاء فيطيعونه رغبة ورهبة، فيجمعون بين شرفي الطاعة الداعية إليها الأرواح، والانكفاف عن المعصية الداعية إليها النفوس بواسطة الأشباح.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧١
لما نبه سبحانه على التفكر، وكان داعياً للعاقل إلى تجويز الممكن والبعد من الخطر، سبب عنه إنكار الأمن من ذلك فقال تعالى :﴿أفأمن﴾ أي أتفكروا فتابوا، أو استمروا على عتوهم ؟ أفأمن ﴿الذين مكروا﴾ بالاحتيال في قتل الأنبياء وإطفاء نور الله الذي أرسلهم به، المكرات ﴿السيئات أن﴾ يجازوا من جنس عملهم بأن ﴿يخسف الله﴾ أي المحيط بكل شيء ﴿بهم﴾ أي خاصة ﴿الأرض﴾ فإذا هم في بطنها، لا يقدرون على نوع تقلب بمدافعة ولا غيرها، كما فعل بقارون وأصحابه وبقوم لوط عليه السلام من قبلهم ﴿أو يأتيهم العذاب﴾ على غير تلك الحال ﴿من حيث لايشعرون*﴾ به في حالة من هاتين الحالتين شعوراً ما، هم في حال سكون ودعة بنوم أو غفلة ﴿أو يأخذهم﴾ أي الله بعذابه ﴿في﴾ حال ﴿تقلبهم﴾ وتصرفهم ومشاعرهم حاضرة وقواهم مستجمعة.
ولما كانت هذه الأحوال الثلاثة مفروضة في حال أمنهم من العذاب وكان الأمن
٢٧٣