من العدو يكون عن ظن عدم قدرته عليه، علل ذلك بقوله تعالى :﴿فما هم بمعجزين*﴾ أي في حالة من هذه الأحوال، سواء علينا غفلتهم ويقظتهم، ولم يعلل ما بعده بذلك لأن المتخوف مجوّز للعجز، فقال تعالى :﴿أو يأخذهم﴾ أي الله أخذ غضب ﴿على تخوف﴾ منهم من العذاب وتحفظ من أن يقع بهم ما وقع بمن قبلهم من عذاب الاستئصال، ويجوز أن يراد بما مضى عذاب الاستئصال، وبهذا الأخذ شيئاً فشيئاً، فإن التخوف التنقص عند هذيل، روي أن عمر رضي الله عنه سأل الناس عنها فسكتوا فأجابه شيخ من هذيل بأنه التنقص، فقال عمر رضي الله عنه : هل تعرف العرب ذلك في أشعارها ؟ قال : نعم! قال شاعرنا أبو كثير الهذلي يصف ناقة :
رحل منها تامكاً قرداً كما تخوف عود النبعة السفن
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧٣
رضي الله عنه : أيها الناس! عليكم بديوانكم لا يضل، قالوا : وما ديواننا ؟ قال : شعر الجاهلية، فإن فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم.
ولما كان التقدير : لم يأمنوا ذلك في نفس الأمر، ولكن جهلهم بالله - لطول أناته وحلمه - غرهم سبب عنه قوله التقاتاً إلى الخطاب استعطافاً :﴿فإن ربكم﴾ أي المحسن إإليكم بإهلاك من يريد وإبقاء من يريد ﴿لرءوف﴾ أي بليغ الرحمة لمن يتوسل إليه بنوع وسيلة، وكذا لمن قاطعه أتم مقاطعة، وإليه أشار بقوله تعالى :﴿رحيم*﴾ أي فتسبب عن إمهاله لهم في كفرهم وطغيانهم مع القدرة عليهم العلم بأن تركه لمعاجلتهم ما هو إلا لرأفته ورحمته.