ولما خوفهم، دل على تمام قدرته على ذلك وغيره بقوله : عاطفاً على ما تقديره : أو لم يروا إلى عجزهم عما يريدون وقسره لهم على ما لا يريدون، فيعلموا بذلك قدرته وعجزهم، فيعلموا أن عفوه عن جرائمهم إحسان منه إليهم ولطف بهم :﴿أولم﴾ ولما كان حقهم المبادرة بالتوبة فلم يفعلوا، أعرض عنهم في قراءة الجماعة تخوفاً فقال تعالى :﴿يروا﴾ بالياء التحتية، وقرأ حمزة والكسائي بالخطاب على نسق ما قبله، أي ينظروا بعيون الأبصار متفكرين بالبصائر، وبين بعدهم عن المعارف الإلهية بحرف الغاية فقال تعالى :﴿إلى ما خلق الله﴾ أي الذي له جميع الأمر ﴿من شيء﴾ أي له ظل ﴿يتفيؤا﴾ أي تترجع إلى جهة الشاخص ﴿ظلاله﴾ وهو ما ستره الشاخص عن الشمس متجاوزة له ﴿عن اليمين﴾ وهي ما على يمين المستدير للشمال، المستقبل للجنوب، الذي هو ناحية الكعبة لمن في بلاد الشام التي هي مسكن الأنبياء عليهم السلام، وأفراد لأن الظل يكون أول ما تشرق الشمس مستقيماً إلى تلك الجهة على استواء، وجمع في قوله :﴿والشمائل﴾ لأن الشمس كلما ارتفعت تحول ذلك الظل راجعاً إلى جهة ما وراء الشاخص، ولا يزال كذلك إلى أن ينتصب عند الغروب إلى جهة يساره قصداً على ضد
٢٧٤
ما كان انتصب إليه عند الشروق، فلما كان بعد انتصابه إلى جهة اليمين طالباً في تفيئه جهة اليسار، سميت تلك الجهات التي تفيأ فيها باسم ما هو طالبه تنبيهاً على ذلك، وفيه إشارة إلى قلة الجيد المستقيم وكثرة المنحرف الرديء.
ولما كانت كثر الخاضعين أدل على القهر وأهيب، جمع بالنظر إلى معنى " ما " ف قوله :﴿سجداً﴾ أي حال كونهم خضعاً ﴿لله﴾ أي الملك الأعلى بما فيهم من الحاجة إلى مدبرهم.
ولما كان امتداد الظل قسرياً لا يمكن أحداً الانفصال عنه، قال جامعاً بالواو والنون تغليباً :﴿وهم داخرون*﴾ ذلاً وصغاراً، لا يمتنع شيء منهم على تصريفه، وخص الظل بالذكر لسرعة تغيره، والتغير دال على المغير.


الصفحة التالية
Icon