ولما تقرر هذا الدليل على هذه الصفة، وكان من مفهومات الدين الجزاء الناظر إلى الأفعال الواقية مما يضر، تسبب عنه الإنكار الشديد على من يلتفت بشيء من أفعاله إلى غيره بعد علمه بأنه دائم لا يزول، وأن كل ما سواه زائل، فقال معبراً بالتقوى التي
٢٧٧
هي نتيجة الرهبة :﴿أفغير الله﴾ أي الذي له العظمة كلها ﴿تتقون*﴾ وأتبع ذلك ما يوجب تعظيم الإنكار عليهم، فقال مبيناً أنه لا ينبغي أن يتعلق خوف ولا رجاء إلا به :﴿وما بكم﴾ أي التبس بكم أيها الناس عامة مؤمنكم وكافركم ﴿من نعمة﴾ أي جليلة أو حقيرة ﴿فمن الله﴾ أي المحيط بكل شيء وحده لا من غيره.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧٦
ولما كان إخلاصهم له - مع ادعائهم ألوهية غيره - أمراً مستبعداً، عبر بأداة التراخي والبعد في قوله تعالى :﴿ثم إذا مسكم﴾ أي أدنى مس ﴿الضر﴾ بزوال نعمة مما أنعم به عليكم ﴿فإليه﴾ أي وحده ﴿تجأرون*﴾ أي تعرفون أصواتكم لما ركز في فطركم الأولية السليمة من أنه لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧٦
ولما كان الرجوع إلى الإشراك بعد الإخلاص مستبعداً أيضاً لا ستهجانهم سرعة الاستحالة، قال تعالى :﴿ثم إذا كشف﴾ سبحانه عما تشركون ﴿الضر﴾ أي الذي مسكم ﴿عنكم﴾ ونبه على مسارعة الإنسان في الكفران فقال تعالى :﴿إذا فريق﴾ أي جماعة هم أهل فرقة وضلال ﴿منكم﴾ أيها العباد! ﴿بربهم﴾ الذي تفرد بالإنعام عليهم ﴿يشركون*﴾ أي يوقعون الإشراك به بعبادة غيره تغيراً منهم عما كانوا عليه عند الاستغاثة به في الشدة، فكان منطبقاً عليهم ما ضربوا المثل بكراهته بقولهم :
وإذا تكون كريهة أُدعى لها وإذا يحاس الحيس يدعى جندب
وهذا أجهل الجهل.