ولما كان هذا ملزوماً بجحد النعمة، وكان من شأن العاقل البصير بالأمور - كما يدعونه لأنفسهم - أن يغفل عن شيء من لوازم ما يقدم عليه، قال :﴿ليكفروا﴾ أي يوقعوا التغطية لأدلة التوحيد التي دلتهم عليها غرائز عقولهم ﴿بما ءاتينهم﴾ أي من النعمة، تنبيهاً على أنهم ما أقدموا على ذلك الشرك إلا لهذا الغرض إحلالاً لهم محل العقلاء البصراء الذين يزعمون أنهم أعلامهم، ورفعاً لهم عن أحوال من يقدم على ما لا
٢٧٨
يعلم عاقبته، ولا خزي أعظم من هذا، لأنه أنتج أن الجنون خير من عقل يكون هذا مآله، فهو من باب التهكم ﴿فتمتعوا﴾ أي فتسبب عن هذا أن يُقبل على هذا الفريق إقبال عالم قادر عليه قائلاً : تمتعوا ﴿فسوف﴾ أي فإن تمتعكم على هذا الحال سبب لأن يقال لكم تهديداً : سوف ﴿تعلمون*﴾ غب تمتعكمن فهو إقبال الغضب والتهديد بسوء المنقلب، وحذف المتهدد به وأبلغ وأهول لذهاب النفس في تعيينه كل مذهب.
ولما هددهم بإشراكهم المستلزم لكفر النعمة، أتبعه عجباً آخر من أمرهم فقال عاطفاً على قوله تعالى ﴿وأقسموا بالله جهد أيمانهم﴾ :﴿ويجعلون﴾ أي على سبيل التكرير ﴿لما لا يعلمون﴾ مما يعبدونه من الأصنام وغيرها لكونه في حيز العدم نفسه وعدماً محضاً بما وصفوه به كما قال تعالى ﴿أم تنبئونه بما لا يعلم﴾ [ الرعد : ٣٣] ﴿نصيباً مما رزقناهم﴾ بما لنا من العظمة، من الحرث والأنعام وغير ذلكن تقرباً إليها كما مضى شرحه في الأنعام، ولك أن تعطفه - وهو أقرب - على ﴿يشركون﴾ فيكون داخلاً في حيز " إذا " أي فاجأوا مقابلة نعمته في الإنجاء بالإشراك والتقرب برزقه إلى ما الجهل به خير من العلم به، لأنه عدم لأنه لاقدرة له ولا نغع من الغضب فقال تعالى :﴿تالله﴾ أي الملك الأعظم ﴿لتسئلن﴾ يوم الجمع ﴿عما كنتم﴾ أي كوناً هو في جبلاتكم ﴿تفترون*﴾ أي تتعمدون في الدنيا من هذا الكذب، سؤال توبيخ، وهو الذي لا جواب لصاحبه إلا بما فيه فضيحته.