ولما كانت الخيام، التي من جلود الأنعام، في ظلها الظليل تقارب بيوت القرى، جمعها جمعاً فقال تعالى :﴿بيوتاً﴾ فإنهم قالوا : إن هذا الجمع بالمسكن أخص،
٢٩٧
والأبيات بالشعر أخص ﴿تستخفونها﴾ أي تطالبون بالاصطناع خفها فتجدونها كذلك ﴿يوم ظعنكم﴾ أي وقت ارتحالكم، وعبر به لأنه في النهار أكثر ﴿ويوم إقامتكم﴾ ثم أتبعه ما به كمال السكن فقال تعالى :﴿ومن أصوافها﴾ أي الضأن منها ﴿وأوبارها﴾ وهي للإبل كالصوف والمفارش والأخبية وغيرها ﴿أثاثاً﴾ أي متاعاً من متاع البيت كثيراً، من قولهم : شهر أثيث أي كثير، وأث البنت.
إذا كثر ﴿ومتاعاً﴾ تتمتعون به ﴿إلى حين*﴾ أي وقت غير معين بحسب كل إنسان في فقد ذلك، وأعرض عن ذكر الحرير والكتان والقطن لأنها لم تكن من صناعتهم، وإشارة إلى الاقتصاد وعدم الإسراف.
ولما ذكر ما يخصهم، أتبعه ما يشاركون فيه سائر الحيوانات فقال :﴿والله﴾ أي الذي له الجلال والإكرام ﴿جعل لكم﴾ أي من غير حاجة منه سبحانه ﴿مما خلق ظلالاً﴾ من الأشجار والجبال وغيرها ﴿وجعل لكم﴾ أي مع غناه المطلق ﴿من الجبال أكناناً﴾ جمع كن وهو ما يستكن به - أي يستتر - من الكهوف ونحوها، ولوكان الخالق غير مختار لكانت على سنن واحد لا ظلال ولا أكنانح ثم أبتع ذلك ما هداهم إليه عوضاً مما جعله لسائر الحيوان فقال :﴿وجعل لكم﴾ أي مَنّاً منه عليكم ﴿سرابيل﴾ أي ثياباً ﴿تقيكم الحر﴾ وهي كل مالبس من قميص وغيره - كما قال الزجاج.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٩٧
ولما كانت السرابيل نوعاً واحداً، لم يكرر " جعل " فقال تعالى :﴿وسرابيل﴾ أي دروعاً ومغافر وغيرها ﴿تقيكم بأسكم﴾ أضافه إليهم إفهاماً لأنه الحرب، وذلك كما جعل لبقية الحيوان - من الأصواف ونحوها والأنياب والأظافر ونحوها - ما هو نحو ذلك يمنع من الحر والبرد، ومن سلاح العدو، ولم يذكر سبحانه هنا وقاية البرد لتقدمها في قوله تعالى ﴿لكم فيها دفء﴾ [النحل : ٥].


الصفحة التالية
Icon