ولما كان مقصود السورة لبيان الكمال، كان تقديم غيره لتقبيح حال المعتنى به أولى فقال تعالى :﴿لغير الله﴾ أي الملك الأعظم الذي لا ملك سواه ﴿به﴾.
٣١٨
ولما كان الإنسان قد يضطر إلى أكل كلّ ما يمكن أكله، بين لهم أنه رفق بهم فأباح لهم سد الرمق من الحرام فقال تعالى :﴿فمن اضطر﴾ أي كيفما وقع له الاضطرار ﴿غير باغ﴾ على مضطر آخر ﴿ولا عاد﴾ سدَّ الرمق.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٨
ولما كان الإذن في الأكل من هذه الأشياء حال الضرورة إنما هو رخصة، وكانت الشهوة داعية إلى ما فوق المأذون فيه قال تعالى :﴿فإن الله﴾ أي المختص بصفات الكمال، بسبب تناوله منها على ما حده ﴿غفور رحيم*﴾ فمن زاد على ما أذن له فيه فهو جدير بالانتقام.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٨
ولما تبين في هذه الآية - كما مضى تقريره في الأنعام - جميع المحرم أكله من الحيوانات، فعلم بذلك جهلهم فيما حرموه على أنفسهم لأجل أصنامهم، صرح بالنهي عنه إبلاغاً في تأكيد ذلك الحصر فقال تعالى :﴿ولا تقولوا﴾ أي بوجه من الوجوه في وقت ما.
ولما كان تحليلهم وتحريمهم قولاً فارغاً ليس له حقيقة أصلاً، لأنه لا دليل عليه، عبر عنه بأنه وصف باللسان لا يستحق أن يدخل إلى القلب فقال تعالى :﴿لما تصف﴾ أي لأجل الذي تصفه ﴿ألسنتكم﴾ أي من الأنعام والحروث والزروع.
ولما حرك النفس إلى معرفة ما يقال لأجل ذلك، بين مقول ذلك القول فقال تعالى :﴿الكذب﴾ أي القول الذي هو عين الكذب.
ولما اشتد التشوف إلى تعيين ذلك المقول، أبدل منه فقال تعالى :﴿هذا حلال وهذا حرام﴾ ويجوز أن يكون ﴿الكذب﴾ مفعول ﴿تصف﴾ فتكون ﴿ما﴾ مصدرية، أي لوصفها إياه، فكأن حقيقة الكذب كانت مجهولة فلم تعرف إلا بوصف ألسنتهم لها، فهو مبالغة في وصف كلامهم بالكذب، وما بعده مقول القول.