لما كان مقصود النحل التنزه عن الاستعجال وغيره من صفات النقص، والاتصاف بالكمال المنتج لأنه قادر على الأمور الهائلة ومنها جعل الساعة كلمح البصر أو أقرب، وختمها بعد تفضيل إبراهيم عليه السلام والأمر باتباعه بالإشارة إلى نصر أوليائه - مع ضعفهم في ذلك الزمان وقلتهم - على أعدائه على كثرتهم وقوتهم، وكان ذلك من خوارق العادات ونواقص المطردات، وأمرهم بالتأني والإحسان، افتتح هذه بتحقيق ما أشار الختم إليه بما خرقه من العادة في الإسراء، وتنزيه نفسه الشريفة من توهم استبعاد ذلك، تنبيهاً على أنه قادر على أن يفعل الأمور العظيمة الكثيرة الشاقة في أسرع وقت، دفعاً لما قد يتوهم أو يتعنت به من يسمع نهيه عن الاستعجال وأمره بالصبر، وبياناً لأنه مع المتقي المحسن، تنويهاً بأمر محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإعلاماً بأنه رأس المحسنين وأعلاهم رتبة وأعظمهم منزلة، بما آتاه من الخصائص التي منها المقام المحمود، وتمثيلاً لما أخبر به من أمر الساعة فقال تعالى :﴿سبحان﴾ وهو علم للتنزيه، دال على أبلغ ما يكون من معناه، منصوب بفعل متروك إظهاره، فسد مسده ﴿الذي أسرى﴾ فنزه نفسه الشريفة عن كل شائبة نقص يمكن أن يضفيها إليه أعداؤه بهذا اللفظ الأبلغ عقب الأمر بالتأني آخر النحل.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٢٧
كما نزه نفسه الشريفة بذلك اللفظ عقب النهي عن الاستعجال في أولها، وهو راد لما علم من ردهم عليه وتكذيبهم له إذا حدثهم عن الإسراء، وفيه مع ذلك إيماء إلى التعجب من هذه القصة للتنبيه على أنها من الأمور البالغة في العظمة إلى حد لا يمكن استيفاء وصفه.