أولى منكم بمعصيتهم، وقد علمتم أن الله عز وجل قد جعل لكل أمة دولة وسلطاناً سلطها فيه، فغذا انقضى ذلك الزمان زالت دولتها وسلطانها فذلت لغيرها وخضعت لمن كان يخضع لها، وقد بسط الله أيديكم زماناً، وسلطكم على غيركم دهراً، ثم جعل الدولة والسطان لسواكم، وأراد أن يذلكم لهم، فمتى خافتم مراد الله ولم تقبلوا حكمه هلكتم، وليس يشك في أن الله أراد في هذا الزمان أن يرفع الروم ويبسط أيديهم، لأنه قد أذل لهم الملوك وظفرهم بالأمم حتى أطاعهم من في سائر جهات الدنيا ممن هو أشد منكم بأساً، وأكثر عدداً، وأقوى سلطاناً، وكيف تطمعون في أن تغلبوهم وأنتم تشاهدون إقبالهم وقوة أمرهم ومعونة الله لهم، وترون أنفسكم بخلاف ذلك، وليس يعيب الإنسان
٣٥٤
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٧
ولا ينقصه طاعته لمن هو أقوى منه وأعلى يداً، لأن الله عز وجل قد جعل أمر الخلق في الدنيا مبنياً على أن يكون بعضهم تابعاً لبعض، وبعضهم قاهراً لبعض، وبعضهم محتاجاً إلى بعض، وكل صنف يخضع لمن هو أقوى منه ويذل له ويطيعه، وذلك ظاهر موجود في الناس على طبقاتهم، وفي الحيوانات على اختلافها، وليس يستغني عن ذلك أحد، ولا يذمه عاقل، وإذ كان الأمر كذلك فليس ينقصكم طاعة الروم، ولا الروم بأول من أطعتموهم وقد تقدمت طاعتكم لهم منذ سنين ؛ وقد ابتدؤوكم في هذا الوقت بالجميل، ودعوكم إلى المسالمة، وبذلوا لكم الأمان، وضمنوا لكم الإحسان، وظهر منهم الإشفاق على مدينتكم وقدسكم فاتقوا الله، وتلافوا أمركم، وأحسنوا النظر لمن بقي منكم، فارجعوا إلى ما كنتم عليه من طاعتهم لتبقوا وتتماسك أحوالكم، وتسلم هذه المدينة وهذا القدس الجليل قبل أن يهدم هذا الحصن الباقي فتهلكوا.