ولما ثبت ما لصفته تعالى من العلو، ولصفة الإنسان من السفول تلاه بما لأفعاله تعالى من الإتقان، ذاكراً ما هو الأقوم من دلائل التوحيد والنبوة في العالمين : العلوي والسفلي، ثم ما لأفعال الإنسان من العوج جرياً مع طبعه، أو من الإحسان بتوفيق اللطيف المنان، فقال تعالى مبيناً ما منحهم به من نعم الدنيا بعد ما أنعم عليهم به من نعم الدين :﴿وجعلنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿الّيل والنهار آيتين﴾ دالتين على تمام العلم وشمول القدرة، آية الليل كالآيات المتشابهة، وآية النهار كالمحكمة، فكما أن المقصود من التكليف لا يتم إلا بذكر المحكم والمتشابه فكذلك الزمان لا يتيسر الانتفاع به إلا بهاتين الآيتين ﴿فمحونا﴾ أي بعظمتنا الباهرة ﴿آية الّيل﴾ بإعدام الضياء فجعلناها لا تبصر بها المرئيات كما لا يبصر الكتاب إذا محي ﴿وجعلنا﴾ أي بعظمتنا ﴿ءاية النهار﴾ ولما كانت في غاية الضياء يبصر بها كل من له بصر، أسند الإبصار إليها مبالغة فقال :﴿مبصرة﴾ أي بالشمس التي جعلها منيرة في نفسها، فلا تزال هذه الدار الناقصة في تنقل من نور إلى ظلمة ومن ظلمة إلى نور كما للإنسان - بعجلته التي يدعو إليها طبعه وتأنيه الداعي إليه عقله - من انتقال من نقصان إلى كمال ومن كمال إلى نقصان،
٣٦٦
كما أن القمر الذي هو أنقص من الشمس كذلك : ثم ذكر بعض المنافع المترتبة على ذلك، فقال تعالى :﴿لتبتغوا﴾ أي تطلبوا طلباً شديداً ﴿فضلاً من ربكم﴾ أي المحسن إليكم فيهما بضياء هذا تارة وبرد هذا أخرى ﴿ولتعلموا﴾ بفصل هذا من هذا ﴿عدد السنين﴾ أي من غير حاجة إلى حساب، لأن النيرين يدلان على تحول الحول بمجرد تنقلهما.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٦٦