وأمر ﴿ربك﴾ أي المحسن إليك أمراً حتماً مقطوعاً به ماضياً لا يحتمل النزاع ؛ ثم فسر هذا الأمر بقوله تعالى :﴿ألا تعبدوا﴾ أي أنت وجميع أهل دعوتك، وهم جميع الخلق ﴿إلا إياه﴾ فإن ذلك هو الإحسان.
ولما أمر بمعرفة الحق المحسن المطلق منبهاً على وجوب ذلك باسم الرب، أتبعه الأمر بمعرفة الحق لأول المربين من الخلق فقال :﴿وبالوالدين﴾ أي وأحسنوا، أي أوقعوا الإحسان بهما ﴿إحساناً﴾ بالإتباع في الحق إن كانا حنيفين شاكرين لأنعمه كإبراهيم ونوح عليهما السلام فإن ذلك يزيد في حسناتهما، وبالبراءة منهما في الباطل فإن ذلك يخفف من وزرهما واللطف بهما ما لم يجر إلى فساد ليكون الله معكم فإنه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧٣
ولما كان سبحانه عليماً بما في الطباع من ملال الولد لهما عند أخذهما في السن، قال تعالى :﴿إما﴾ مؤكداً بإدخال " ما " على الشرطية لزيادة التقرير للمعنى اهتماماً بشأن الأبوين ﴿يبلغن عندك﴾ أي بأن يضطر إليك فلا يكون لهما كافل غيرك ﴿الكبر﴾ ونفى كل احتمال يتعلق به المتعنت بقوله تعالى :﴿أحدهما أو كلاهما﴾ فيعجزا بحيث يكونان في كفالتك ﴿فلا تقل لهما أف﴾ أي لا تتضجر منهما، وفي سورة الأحقاف ما ينفع كثيراً هنا ؛ ثم صرح بما ينهى عنه الكلام من باب الأولى تعظيماً للمقام فقال :﴿ولا تنهرهما﴾ فيما لا ترضاه ؛ والنهرك زجر بإغلاظ وصياح.


الصفحة التالية
Icon