ولما صغر أمرهم بالنسبة إلى جليل آياته وعظيم بيناته وغريب مصنوعاته، لخص قصتهم التي عدوها عجباً وتركوا الاستبصار على وحدانية الواحد القهار بما هو العجب العجيب، والنبأ الغريب، فقال تعالى :﴿إذا أوى﴾ أي كانوا على هذه الصفة حين أووا، ولكنه أبرز الضمير لبيان أنهم شبان ليسوا بكثيري العدد فليست لهم أسنان استفادوا بها من التجارب والتعلم ما اهتدوا إليه من الدين والدنيا، ولا كثرة حفظوا بها ممن يؤذيهم أيقاظاً ورقوداً فقال تعالى :﴿الفتية﴾ وهو أصحاب الكهف المسؤول عنهم، والشبان أقبل للحق وأهدى للسبيل من الشيوخ ﴿إلى الكهف﴾ المقارب لقريتهم المشهور ببلدتهم فراراً بدينهم كما أويت أنت والصديق إلى غار ثور فراراً بدينكما ﴿فقالوا﴾ عقب استقرارهم فيه :﴿ربنا ءاتنا﴾ ولما كانت الموجودات - كما مضى عن الحرالي في آل عمران - على ثلاث رتب : حكيمات جارية على قوانين العادات، وعنديات خارقة للمطردات ولدنيات مستغرقة في الأمور الخارقات، طلبوا أعلاها فقالوا :﴿من لدنك﴾ أي من مستبطن الأمور التي عندك ومستغربها ﴿رحمة﴾ أي إكراماً تكرمنا به كما يفعل
٤٤٨
الراحم بالمرحوم ﴿وهيئ لنا﴾ أي جميعاً لا تخيب منا أحداً ﴿من أمرنا رشداً*﴾ أي وجهاً ترشدنا فيه إلى الخلاص في الدارين، لا جرم صارت قصتهم على حسب ما أجابهم ربهم بديعة الشأن فردة في الزمان، يتحدث بها في سائر البلدان، في كل حين وأوان.
ولما أجابهم سبحانه، عبر عن ذلك بقوله تعالى :﴿فضربنا﴾ أي عقب هذا القول وبسببه ﴿على ءاذانهم﴾ أي سددناها وأمسكناها عن السمع، وكان أصله ؛ ضربنا عليها حجاباً بنوم ثقيل لا تزعج منه الأصوات، لأن من كان مستيقظاً أو نائماً نوماً خفيفاً وسمعه صحيح سمع الأصوات ﴿في الكهف﴾ أي المعهود.