ولما دل على الإحسان باسم الرب، وكان في فعله معهم من باهر القدرة ما لا يخفى، التفت إلى مقام العظمة فقال تعالى عاطفاً على ما تقيدره : فاهتدوا بإيمانهم :﴿وزدناهم﴾ بعد أن آمنوا ﴿هدى﴾ بما قذفنا في قلوبهم من المعارف، وشرحنا لهم صدورهم من المواهب التي حملتهم على ارتكاب المعاطب، والزهد في الدنيا والانقطاع إليه ﴿وربطنا﴾ بما لنا من العظمة ﴿على قلوبهم﴾ أي قويناها، فصار ما فيها من القوى مجتمعاً غير مبدد، فكانت حالهم في الجلوة كحالهم في الخلوة ﴿إذ قاموا﴾ لله تعالى حق القيام في ذلك الجيل الكافرين بين يدي طاغيتهم دقيانوس ﴿فقالوا﴾ مخالقين لهم :﴿ربنا﴾ الذي يستحق أن نفرده بالعبادة لتفرده بتدبيرنا، هو ﴿رب السماوات والأرض﴾ أي موجدهما ومدبرهما ﴿لن ندعوا من دونه إلهاً*﴾ بعد أن ثبت عجز كل من سواه، والله ﴿لقد قلنا إذاً﴾ أي إذا دعونا من دونه غيره ﴿شططاً﴾ أي قولاً ذا بعد مفرط عن الحق جداً ؛ ثم شرعوا يستدلون على كونه شططاً بأنه لا دليل عليه، ويجوز أن يكونوا لما قالوا ذلك عرض لهم الشيطان بشبهة التقليد فقالوا مجيبين عنها :﴿هؤلاء﴾ وأن يكونوا قالوا ذلك للملك إنقاذاً له من ششرك الجهل، وبين المشار إليهم بقولهم :﴿قومنا﴾ أي وإن كانوا أسن منا وأقوى وأجل في الدنيا ﴿اتخذوا﴾ أي مخالفين مع منهاج العقل داعي الفطرة الأولى ﴿من دونه ءالهة﴾ أشركوهم معه لشبهة واهية استغواهم بها الشيطان ؛ ثم استأنفوا على طريق التخصيص ما ينبه على أنهم من حين عبادتهم إلى الآن لم يأتوا على ذلك بدليل، فقالوا منبهين على فساد التقليد في أصول الدين وأنه لا مقنع فيه بدون القطع :﴿لولا﴾ أي هلا ﴿يأتون﴾ الآن.
٤٥٠