ولما كان انفرادهم بالهدى عن أهل ذلك القرن كلهم عجباً، وصل به ما إذا تؤمل زال عجبه فقال تعالى :﴿من يهد﴾ ولو أيسر هداية - بما دل عليه حذف الياء في الرسم ﴿الله﴾ أي الذي له الأمر كله بخلق الهداية في قلبه للنظر في آياته التي لا تعد والانتفاع بها ﴿فهو﴾ خاصة ﴿المهتد﴾ في أي زمان كان، فلن تجد له مضلاً مغوياً ﴿ومن يضلل﴾ إضلالاً ظاهرياً بما دل عليه الإظهار بإعمائه عن طريق الهدى، فهو لا غيره الضال ﴿فلن تجد له﴾ أصلاً من دونه، لأجل أن الله الذي له الأمر كله ولا لأمر أحد معه أضله ﴿ولياً مرشداً*﴾ فتجده يرى الآيات بعينه، ويسمعها بأذنه، ويحسها بجميع حواسه، ولا يعلم أنها آيات فضلاً عن أن يتدبرها وينتفع بها، فالآية من الاحتباك : ذكر الاهتداء أولاً دليلاً على حذف الضلال ثايناً، والمرشد ثانياً دليلاً على حذف المضل أولاً.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٥١
٤٥٣
ولما نبه سبحانه هذا التنبيه تسلية للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتثبيتاً أن يبخع نفسه، عطف على ما مضى بقية أمرهم فقال :﴿وتحسبهم أيقاظاً﴾ لانفتاح أعينهم للهواء ليكون أبقى لها، ولكثرة حركاتهم ﴿وهم رقود ونقلبهم﴾ بعظمتنا في حال نومهم تقليباً كثيراً بحسب ما ينفعهم كما يكون النائم ﴿ذات﴾ أي في الجهة التي هي صاحبة ﴿اليمين﴾ منهم ﴿وذات الشمال﴾ لينال روح النسيم جميع أبدانهم ولا يتأثر ما يلي الأرض منها بطول المكث ﴿وكلبهم باسط﴾ وأعمل اسم الفالع هذا، لأنه ليس بمعنى الماضي بل هو حكاية حال ماضية فقال :﴿ذراعيه بالوصيد﴾ أي بباب الكهف وفنائه كما هي عادة الكلاب، وذكر هذا الكلب على طول الآباد بجميل هذا الرقاد من بركة صحبة الأمجاد.


الصفحة التالية
Icon