ولما ذكر تعالى تنازع أولئك الذين هداهم الله بهم، ذكر ما يأتي من إفاضة من علم قريشاً أن تسأل صلى الله عليه وعلى آله وسلم منهم في الفضول الذي ليس لهم إليه سبيل، ولا يظفرون فيه بدليل علماً من أعلام النبوة فقال تعالى :﴿سيقولون﴾ أي أهل الكتاب ومن وافقهم في الخوض في ذلك بعد اعترافهم بما قصصت عليك من بنأهم بوعد لا خلف فيه : هم ﴿ثلاثة﴾ أشخاص ﴿رابعهم كلبهم﴾ ولا علم لهم بذلك، ولذلك أعراه عن الواو فدل إسقاطها على أنها ليسوا ثلاثة وليس الكلب رابعاً ﴿ويقولون﴾ أي وسيقولون أيضاً :﴿خمسة سادسهم كلبهم﴾.
ولما تغير قولهم حسن جداً قوله تعالى :﴿رجماً بالغيب﴾ أي رمياً بالأمر الغائب عنهم الذي لا اطلاع لهم عليه بوجه ﴿ويقولون﴾ أيضاً دليلاً على أنه لا علم لهم بذلك :
٤٥٩
﴿سبعة وثامنهم كلبهم﴾ وتأخير هذا عن الرجم - وإن كان ظناً - مشعر بأنه حق، ويؤيده هذه الواو التي تدخل على الجملة الواقعة صفة للنكرة كما تدخل الواو حالاً عن المعرفة في نحو ﴿إلا ولها كتاب معلوم﴾ [الحجر : ٤] فإن فائدتها توكيد لصوق الصفة بالموصوف، والدلالة على اتصاف الموصوف بالصفة أمر ثابت مستقر، فدلت هذه الواو على أن أهل هذا القول قالوه عن ثبات علم وطمأنينة نفس، ولم يرجموا بالظن، وفي براءة، كلام نفيس عن اتباع الوصف تارة بواو وتارة مجرداً عنها.
فلما ظهر كالشمس أنه لا علم لهم بذلك كان كأنه قيل : ماذا يقال لهم ؟ فقيل :﴿قل ربي﴾ أي المحسن إليّ بإعلامي بأمرهم وغيره ﴿أعلم بعدتهم﴾ أي التي لا زيادة فيها ولا نقص، فكان كأنه قيل : قد فهم من صيغة " أعلم " أم من الخلق من يعلم أمرهم فقيل :﴿ما يعلمهم إلا قليل*﴾ أي من الخلق وهو مؤيد لأنهم أصحاب القول الغالب، وهو، قول ابن عباس رضي الله عنهمان وكان يقول : أنا من ذلك القليل.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٥٩


الصفحة التالية
Icon