فلا} أي فتسبب عن ذلك أن يقول لك على سبيل البت الداخل تحت النهي عن قفو ما ليس لك به علم : لا ﴿تمار﴾ أي تجادل وتراجع ﴿فيهم﴾ أحداً ممن يتكلم بغير ما أخبرتك به ﴿إلا مرآء ظاهراً﴾ أدلته، وهو ما أوحيت إليك به ولا تفعل فلعلهم من الرجمب بالغيب ﴿ولا تستفت﴾ أي تسأل سؤال مستفيد ﴿فيهم﴾ أي أهل الكهف ﴿منهم﴾ أي من الذين يدعون العلم من بني إسرائيل أو غيرهم ﴿أحداً*﴾.
ولما كان نهيه عن استفتائهم موجباً لقصر همته على ربه سبحانه فكان من المعلوم أنه إذا سئل عن شيء، التفتت نفسه إلى تعرفه من قبله، فربما قال لما يعلم من إحاطة علم الله سبحانه وكرمه لديه : سأخبركم به غداً، كما وقع من هذه القصص، علمه الله ما يقول في كل أمر مستقبل يعزم عليه بقوله تعالى :﴿ولا تقولون لشيءٍ﴾ أي لأجل شيء من الأشياء التي يعزم عليها جليها وحقيرها، عزمت على فعله : عزماً صادقاً من غير تردد وإن كنت عند نفسك في غاية القدرة عليه :﴿إني فاعل لشيءٍ﴾ أي الشيء وإن كان مهماً ﴿غداً*﴾ أي فيما يستقبل في حال من الأحوال ﴿إلا﴾ قولاً كائناً معه ﴿أن يشاء﴾ في المستقبل ذلك الشيء ﴿الله﴾ أي مقروناً بمشيئة الملك الأعلى الذي لا أمر لأحد معه سبحانه تعظيماً لله أن يقطع شيء دونه واعترافاً بأنه لا حول ولا قوة إلا به، وأنه إن قيل ذلك دون استثناء فات قبل الفعل أو عاقه عنه عائق كان كذباً منفراً عن القائل.
ولما كان النسيان من شأن الإنسان وهو غير مؤاخذ به قال تعالى :﴿واذكر ربك﴾ أي المحسن إليك برفع المؤاخذة حال النسيان ﴿إذا نسيت﴾ الاستثناء بالاستعانة والتوكل عليه وتفويض الأمر كله بأن تقول : إن شاء الله، ونحوها في أيّ وقت تذكرت ؛
٤٦٠
وأخرج الطبراني في معجمه الأوسط في ترجمة محمد بن الحارث الجبيلي - بضم الجيم وفتح الموحدة - عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هذا خاص برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وليس لأحد منا أن يستثني إلا بصلة اليمين.